من فضل الله على هذه البلاد أن هيأ لها البيئة الاستثمارية الناجحة، أمن وأمان وقوة اقتصادية متنامية، جعلتها إحدى الدول في مجموعة العشرين، وقيادة حكيمة رحيمة تسعى لرعاية أبنائها وتحقيق مصالحهم ونفعهم، كل هذا دفع كثيراً من الشركات والمصانع وأصحاب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في هذه البلاد، فكانت هناك الاستثمارات العقارية والمالية وتجارة الجملة وغيرها من المجالات التجارية.
ومن بين هؤلاء المستثمرين ظهرت فئة من الناس لا تبحث عن الربح المادي السريع والاستثمار الأسهل، بل سلكت طريقاً صعباً وشائكاً مخاطره أكثر وأرباحه طويلة الأجل، إلا أن هذا الطريق وهذا الاستثمار يجمع إلى أنه استثمار في المال هو أيضاً استثمار في صناعة الإنسان وإعداده ليكون لبنة صالحة في مجتمعه، وهذا ما جعل العقبات والمصاعب على هذه الفئة المستثمرة برداً وسلاماً على قلوبهم.
يسّر الله لي الاختلاط بهم في كثير من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات فرأيت وسمعت منهم الكثير من الأهداف والنظر إلى الاستثمار في التعليم كرسالة قبل أن يكون استثماراً مادياً، وربما تنازل عن بعض ربحه لدعم رسالته.
وقد برزت في الآونة الأخيرة فئة من الناس بعضهم كتاب، وبعضهم مغردون، وبعضهم واجه بعض المواقف السلبية من بعض المدارس فانبرى للهجوم العنيف على تلك المدارس وذكر عيوبها وكبرها وما أقلها ولكنه لم يذكر أي مزية لها وما أكثرها.
نقول لهؤلاء رويدكم رويدكم فأنتم تحطمون واجهة حضارية لبلادكم، واجهة هي مكان الفخر والمنافسة على المستوى المحلي والعربي والعالمي، فكم من المراكز العربية والعالمية التي حققتها تلك المدارس في مسابقات الكانقارو والحساب الذهني والابتكارات العلمية والروبوت، وكم هي المراكز المتقدمة التي حققتها المدارس الأهلية في القدرات والتحصيلي والتي تعد مقياساً حقيقياً لجودة التعليم في مدارسها.
نحن لا نقول إن المدارس الأهلية منزهة عن الخطأ فهي مثل غيرها من الأشخاص والهيئات والمؤسسات التي تخطئ وتصيب، ولكن نقول إن النقد له أصوله وفنه وأدبه وله أهله، فلا يأتي شخص ليس له دراية ولا علم بالتعليم الأهلي فينظُر ويشرق ويغرب ويضرب ويحطم ويكسر ثم يجد من يصفق له، فكما أننا نحمي الأشخاص ممن يشوه سمعتهم علينا أيضاً أن نحمي مؤسساتنا التعليمية ممن يشوه سمعتها.
ماذا يريد من يهاجم التعليم الأهلي؟
لقد عانت المدارس الأهلية في الآونة الأخيرة الكثير من الصدمات وكان جزءًا بسيطاً منها كافياً أن يخرج أصحابها من سوق التعليم، ولكنهم صبروا وصمدوا وآثروا البقاء لأن المسألة بالنسبة لهم أجر وأجرة فإذا ضعف الأجر بقيت الأجرة تصبرهم وتثبتهم على الاستمرار والعطاء.
ولذلك أحب في هذا المقال أن أوجه عدة رسائل إلى جهات عدة لأنبه وأحذر وأعظم وأكبر، أنبه وأحذر من يهاجمون التعليم الأهلي بضراوة، وأعظم وأكبر الدور العظيم الذي تقوك به المدارس الأهلية في بناء الإنسان ودعم التعليم وتطويره في بلادنا الغالية.
وأولى رسائلي لوزارة التعليم أقول لهم:
إن التعليم الأهلي هو الشريك الاستراتيجي للتعليم الحكومي، بل هو الأداة التطويرية والنموذج الذي يبنى عليه لتطوير التعليم الحكومي، وأنا حينما أقول ذلك لا أجد حرجاً أبداً ولا حاجزاً ولا تمييزاً بين المدارس الأهلية والحكومية فكل من يدرس فيها ومن يدرس فيها ومن يستثمر فيها هم من أبناء الوطن، وكل نجاحاتها وإنجازها وإبداعاتها هو ملك للوطن فكلاهما أي التعليم الأهلي والحكومي هما تحت رعاية وإشراف وزارة التعليم وتحت تصرفها وقيادتها.
نجاح التعليم وتطويره في بلادنا مرهون بالاهتمام بتلك المدارس النوعية ودعمها مالياً ولوجستياً وحكومياً بالقرارات التي تساعد على نهوضها واستمرارها.
لذا أدعو وزارة المالية بدعم وزارة التعليم إلى إعادة النظر في الدعم الذي يقدم للمدارس الأهلية منذ ما يقارب أكثر من 50 عاماً على كل طالب فهو لا يساوي شيئاً مقابل ما تحصل عليه المصانع والمستشفيات وغيرها من القطاعات الاستثمارية وإلى منح المدارس والجامعات الأهلية الأراضي والقروض وهل المدارس إلا مصانع للرجال والعلماء والأطباء وأمهات المستقبل.
ويا أولياء أمور الطلاب:
أنتم شركاء المدارس الأهلية في تربية تعليم أبنائكم وما في نفوسكم من الحب والود والعرفان والامتنان لتلك المدارس الشيء الكثير لأنكم لمستم ذلك في أبنائكم فلا تجعلوا موقفاً معيناً أو خطأ بسيطاً من تلك المدارس ينسيكم الخير والمعروف بينكما، ولا أدل على حبكم لتلك المدارس من إلحاق أبنائكم بها وحرصكم على التسجيل فيها رغم أنكم تدفعون من حر مالكم لتعليم أبنائكم، وربما حرمتم أنفسكم من نزهة أو سفر أو سياحة حتى توفروا الرسوم الدراسية لتدفعوها لفلذات أكبادكم ليقينكم أن الاستثمار في الأبناء هو الاستثمار الأمثل والأعظم.
ويا أيها الكتاب والمغردون:
رويداً رويداً، اجعلوا نقدكم نقداً بناءً يبني ولا يهدم، كونوا منصفين في أحكامكم، فكما تذكرون مآخذ على المدارس وهي مثل غيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية، فاذكروا محاسنها وما أكثرها.
ويا قادة هذه البلاد وحكامها وحكماءها:
ادعموا التعليم الأهلي بقدر ما تستطيعون فهو المستقبل الواعد لتطوير التعليم في بلادنا، خاصة في دعم رؤية مملكتنا الغالية 2030 التي تدعو إلى خصخصة التعليم، فهل ينتظر ممن يرى هذا التعثر وهذا الهجوم على المدارس الأهلية وقلة الدعم أن يحرص على الدخول لهذا الميدان، إننا نريد أن نجعل البيئة الاستثمارية في التعليم جاذبة وليست منفرة، إننا نشهد هذه الأيام خروجاً لبعض المستثمرين من سوق التعليم ممن أمضوا سنوات طوال في هذا المجال لعدم مقدرتهم على الصمود، فهل ينتظر من غيرهم أن يدخلوا إذا خرج أصحاب الخبرة والدراية.
أخيراً أختم مقالي بقولي:
نحن بحاجة إلى تعاون وترابط وتكامل لدعم التعليم الأهلي وتثبيته وتطويره ليكون رافداً مهماً لتطوير التعليم في مملكتنا الحبيبة.
** **
- المشرف العام على مدارس فرسان العلوم الأهلية بالرياض