محمد سليمان العنقري
الانتخابات الرئاسية الأمريكية دائماً يواكبها تقلبات حادة بمزاج الأسواق المالية في أمريكا نظراً لتباين التوقعات بآثار نجاح كل مرشح، فالجمهورييون الذين يقترن بشعارهم اللون الأحمر عادة ما ينظر قطاع الأعمال لهم بإيجابية، أما الديمقراطيون ذوو اللون الأزرق فالنظرة تكون متحفظة من قبل قطاع الأعمال نظراً لأنهم يميلون لبرامج اجتماعية تخص الفرد، بينما ترتفع الضرائب على الشركات في زمنهم عادة، بينما تخفض من الحكومات الجمهورية بالعادة، فلكل طرف وجهة نظر بطريقة تنمية الاقتصاد وتحفيزه لكن انتخابات هذا العام التي ستحسم يوم الثلاثاء المقبل تحمل طابعاً مختلفاً على كافة الأصعدة وقد يكون مفصلياً في تاريخ أكبر اقتصاد في العالم.
فالديمقراطي بايدن يمثل بشكل عام النهج السياسي التقليدي في صعود المسؤولين والرؤساء في كلا الحزبين ولذلك يعد فوزه عودة للسياق المعتاد في طرق إدارة البلاد وتوجهات النمو الاقتصادي فيها وكمرشح ديمقراطي تتوقع بيوت الخبرة تراجعاً في أسواق المال في حال فوزه لأنه قد يعيد تحجيم توسع إنتاج النفط الصخري داخلياً نظراً لأن الديمقراطيين يرون ذلك ضاراً بالبيئة، إضافة لاحتمال أن يعيد رفع الضرائب على الشركات كما هو معتاد منهم، بينما يكون التوجه لخفضها على الأفراد ودعم برامج الحماية الاجتماعية، أما الرئيس ترمب الذي في حال فوزه يتوقع أن ترتفع الأسواق المالية الأمريكية نحو 14 في المائة بحسب بنك جي بي مورغان لأنه سيتجه أكثر إلى دعم قطاع إنتاج النفط وكذلك خفض الضرائب على الشركات إلا ؟أنه يمثل نهجاً سياسياً شعبوياً غير معتاد في أمريكا وما فوزه إلا رد على السياسيين التقليديين الذين لم يعودوا مقنعين لطبقات مؤثرة في المجتمع الأمريكي ولذلك فإن إعادة انتخاب الرئيس ترمب ستؤكد توجه المجتمع لنهج سياسي جديد وتخليه عن دعم السياسيين التقليديين مما يعني تغيراً جذرياً في مستقبل الحزبين الأمريكيين الكبار في تقديم من يمثلهم في الانتخابات المستقبلية ليكونوا مواكبين للتغير في طبيعة المجتمع واحتياجاته من حكوماته سواء على مستوى الولايات أو الحكومة الفيدرالية.
فالرئيس ترمب في حال فوزه سيستمر في مشروعه بعودة الشركات الصناعية للداخل الأمريكي بعد أن أصبح جل إنتاجها من الخارج وتحديداً مصانعهم في الصين مما يعني عودة أمريكا لتكون منافساً رئيساً في الإنتاج الصناعي العالمي وستزاحم الصين وأوروبا على نيل أكبر الحصص في التجارة الدولية وهذا يتطلب منها في هذه الحالة توجهاً دولياً مختلفاً لحل الصراعات في كثير من مناطق العالم وعقد اتفاقيات تجارية وشراكات في إطار جديد من مناطق واعدة بالنمو في آسيا وإفريقيا، إضافة لمزيد من الضغط على الصين وإن كان كلا المرشحين سيواجهان الصين إلا أن ترمب قد يكون أكثر حدة في تعامله معها وتسريع تضييق الخناق عليها، ففوزه سيعني توجهاً دولياً أيضاً للتعاطي مع السياسة الأمريكية بأسلوبها الجديد وهو ما سيوسع من الاهتمام بمفهوم السيادة لدى الدول وكذلك الحمائية على حساب العولمة التي خدمت الصين كثيراً، فسيكون هناك توجه كبير عالمياً للاستثمار الصناعي والتكنولوجي داخل كل دولة لأن الجميع سينظر لمستقبل اقتصاده واحتياجاته بموجب التغيرات الدولية سواء في نهج السياسة الأمريكية أو ما أسهمت به جائحة كورونا من تداعيات اقتصادية بينت الحاجة لتغيير في توجه الدول لحماية اقتصادها.
الانتخابات الحالية لا تمثل تنافساً اعتيادياً بل هو صراع بين نهجين مختلفين ليس باختلاف تقليدي بين حزبين بل بين فكرين أحدهما تقليدي والآخر مستجد ولكل منهما أدواته وحججه وقدرته على الإقناع لكن انتصار أحدهما هذه المرة لن يقرأ كما السابق فعودة الفكر التقليدي للحكم ستعني أن الأعوام الأربعة التي حكم بها ترمب كانت استثناء لن يتكرر بينما فوزه سيعني تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية لا عودة فيه للماضي وسيخلف تبعات عديدة داخل أمريكا وخارجها.