مها محمد الشريف
مفاهيم وعلاقات الفلاسفة والعلماء بالتاريخ تقول إن الإنسان صانع لتاريخه متى تملك شروطه، وخصوصاً متى سار في اتجاه حريته واكتشف حقل ممكناته، وحرره وعيه من ثقل ماضيه وأخذت مكانته في التاريخ طابعاً إشكالياً، فهو بلا شك فاعل تاريخي مستقوٍ بمعرفته ومعتد بوسائله، ولكن عليه هنا مراعاة ضرورة الحذر إزاء التاريخ من حيث هو سيرورة ومعرفة.
في هذا النموذج يكون الفرد واعياً ومتابعاً لكل ما يدور حوله، إذا كان الكلام يُقصد به الرموز السياسية والشخصيات القيادية واليوم يشاهد العالم مع الشعب الأمريكي الانتخابات التي حملت منافسة من نوع آخر أقرب للصراع الفكري بين توجهين سياسيين مختلفين فكر تقليدي وهو مرشح الحزب الديموقراطي «بايدن» وبعض الجمهوريين، وهو فكر تقليدي تدعمه أدوات إعلامية كبيرة تقليدية، وبين دونالد ترمب الذي قدم فكرا شعبويا جديدا يقوم على إعلام شخصي من خلال حسابات تويتر وحملات على أرض الواقع لمناصريه دون الصعود إلى منابر تقليدية كالصحف والتلفزيون، والناس في هذا العصر على استعداد لقبول ضرورات الحاضر وتحقيق الغاية القصوى التي تجمعوا من أجلها.
وقد أشار ذلك إلى معان ذاتية للنموذج الذي اعتبروه مثالياً وليس فرضاً لوضع بعينه وليس وصفاً للواقع بل يستهدف توفير الوسائل للتعبير بتقدم الرئيس دونالد ترمب بفارق ضئيل على المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن، ويمثل للمرة الأولى تقدمًا منذ منتصف سبتمبر، وفقًا للتقارير اليومية للانتخابات، ويحظى الرئيس بتأييد 84% من الجمهوريين، بينما يحظى بايدن بنسبة 77% من تأييد الديمقراطيين. ويتقدم الرئيس أيضًا بسبع نقاط مع الناخبين الذين لا يُعرفون بأنهم جمهوريون أو ديمقراطيون، وفقًا للاستطلاع.
لذا، تظهر سلطة الفكر السياسي في جُملة من النظريات والأفكار، ولكن اليوم ما نشاهده ينقسم بين فكر تقليدي وفكر شعبوي وساحة معركة جديدة في الانتخابات، بداية من الانقسامات الواضحة في وسائل الإعلام التقليدي بين المرشحين، والتقنية الذكية التي بدورها تتسابق على تنزيل التطبيقات التي تعزز لترمب تقدمه وأخرى لبايدن، وهذا يعتبر شيئا دخيلا على السياسة الأمريكية وهو ما سنه ترمب حيث يرى أن الساسة التقليديين أضعفوا أمريكا وهو يريد عودة القوة العظمى، من خلال الحشود وضبطها بصيغة شمولية وتسيير أعمال البشر بتبعيتها لمبادئ كونية.
من هنا نتساءل هل الدولة القائمة حاليا تعبرعن نشأة مجتمع سياسي أم لا؟، بما أنها جعلت الخلط بين الدولة والمجتمع المدني وجودا منظما لخدمة السلطة السياسية وفق توظيف ملائم أحياناً ومتناقض أحياناً أخرى، وبلوغ الغايات باستخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وأبعاد أخرى قد تكون أتاحت المجال لصراع بين الأفراد والجماعات من جراء الانقسامات في الرأي والاختيار من خلال الانتخابات وتهيئة الحشود لهذا الحدث الهام الذي ينظر إليه العالم باهتمام، فهل الفكر الشعبوي طارئ وسيرحل أم أنه سيتجذر ويصبح عقيدة سياسية جديدة في أمريكا وربما في العالم؟.
فبدلاً من إيجاد فضاء سياسي يطرح حسابات التقدم في الفوز نجد أن ترمب يقرر بشكل فردي الذي يريده وقد ضمن معركة انتخابية محسومة مقدماً، عطفاً على الأسباب التي نجحت فعاليتها العملية وشهدت البلاد في عهده إنجازات كثيرة يعجز غيره عن تحقيقها، واستطاع إرغام الصينيين على القبول باتفاقية للتجارة الجديدة بين بكين وواشنطن، علماً أن الصين ضمن المشروع الأمريكي القادم بعد الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط.
إنه لمبدأ عام لصراعات المصالح، وهذا ينافي تحديد السياسة بوصفها مجالاً لممارسة المشروعية القانونية على مستوى الدولة، وغايتها تأنيس الإنسان وتهذيب قدراته وإمكاناته، لأنها مؤسسة قائمة على علاقات تعاقدية وعلى وعي بالحقوق والواجبات، ولديها كامل المقومات المرتبطة بتنظيم حياة البشر، ورسم الحدود والقوانين واللوائح التي تحول دون تعدي طرف على الآخر، إذا سلمنا بما تعنيه السياسة والمجتمع.