خالد بن عبدالكريم الجاسر
رغم حِنقنا عليها، إلا أنها صارت بالضرورة المُلحة، فلولا الله ثم هي، لما أمكن التضييق على وباء كورونا، وإبقاؤه في حدوده الدنيا، إلا أن رؤيتنا كانت المفتاح الذي وفَّر لنا تأسيس منظومة فاعلة ومؤثِّرة لذكاء الآلة وعلاقته بالحكومات وحوكمته ومستقبله، بالإضافة لتطويره بطريقة آمنة وأخلاقية، تجمع خلاله المملكة ممثلة في الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «ساديا» مجموعة دول العشرين، في تجمع افتراضي في أكتوبر الحالي، برعاية صاحب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الوطني، وإيصاله إلى قيمة سوقية تقارب 134 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وقيمته الجيوسياسية التي تُعادل النووي في الألفية الثالثة، لإضافته 16 تريليون دولار إلى الناتج الإجمالي العالمي بعد عشر سنوات، خصصت له الصين وحدها 150 مليار دولار، بل وتساعد مجموعة من الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية على بناء أنظمة ذكية، وتقدم لها تسهيلات وقروضاً ميسرة، بشكل يجعل هذه البلدان أكثر اعتماداً عليها في المستقبل، وبالتالي أكثر استجابة لخدمة مصالحها الإستراتيجية.
فمن المسارات الأربع نجد هيئة جديدة لعصر تقني للحكومات وحوكمتها، بما يجعل من مستقبل الذكاء الاصطناعي، غرفة لأنشطة تفاعلية يمكنها تطوير التقنيات بشكل آمن وأخلاقي في مختلف التطبيقات، التي تمس حياة الإنسان، وما يواجهه المجتمع العالمي، عبر إطلاق الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة، والتي اعتمدها أخيراً خادم الحرمين الشريفين، وتأتي في سياق السعي لتحقيق تطلعات المملكة في الريادة العالمية من خلال الاقتصاد القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي.
لقد أصبحت البرمجيات أكثر ذكاءً إلى حد كبير، جعل ذكاء الآلة مستخدم في أكثر من 176 دولة أو ما يساوي 85 % من سكان الأرض، لتجعل الحروب القادمة حروباً معرفية بالدرجة الأولى، وستستعين بالأنظمة الخبيرة المرتبطة بقواعد بيانات ضخمة، وتتفوق في قدرتها التحليلية وفي جودة استنتاجاتها وحلولها على الخبراء الآدميين، وستساعد صانع القرار في تحديد القرار الأنسب لموضوعه أو مشكلته، بل وتعزيز عمليات التشخيص والعلاج والتنبؤ بشكل أفضل للأحداث خاصة الأوبئة والتغيّرات والكوارث المتصلة بالمناخ، ومساهمتها في إقامة مُدن ذكية مُستدامة، ولو لم يتم استغلالها بالطرق المفيدة ستجد هذه الاستخدامات قد تنحرف عن مسارها، وتوظّف لأغراض التضليل أو الاحتيال أو الانتقام السياسي أو الشخصي، كما هو الحال في تقنية (ديب فايك أو التزييف العميق)، لتعكس أو تفاقم من حوالات التحيز الجنساني أو العرقي أو الإيدولوجي لأن مصدر إمدادها الإنسان مما يجعها غير مكتملة أو متحيزة، وهو ما ناقشته القمة لتجريم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، وتوفير برامح حماية ضده للاستخدام العام، مع التركيز على الاستثمار في تطبيقاته التي تُسهم في تحسين حياة الناس ودعم اقتصاد الدول، وبذل الجهود لحماية سلامة وخصوصية وهوية وأموال وملكيات المستعمل النهائي لمواجهة التحديات الأمنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل المعاملات المالية الإلكترونية والإدارة الإلكترونية والمدن الذكية المستدامة.. فمن سيتحكم في الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم، ولعلنا نرتاد بطاقاتنا حُكم العالم في الذكاء الاصطناعي.