تحقيق - عبدالله الفهيد - «الجزيرة»:
أجمع خبراء ومختصون في الأغذية والزراعة والتسويق، على أهمية تجاوز العقبات البيروقراطية لتعزيز معادلة الأمن الغذائي في المملكة، من خلال إجراءات محلية تتمثَّل في تسهيل وصول المزارعين إلى الأسواق من خلال منظومة عمل محوكمة، بالإضافة إلى استثمار إمكانيات الجزر السعودية في إقامة مدن للأنعام، ومحاجر للماشية المستوردة، بحيث تكون قريبة من المملكة بالإضافة إلى كونها إمكانية إعادة التصدير لكثير من دول العالم.
ورأى الخبراء الذين استطلعت «الجزيرة» آراءهم أن جائحة «كورونا» لها وجه مضيء تمثَّل في اختبار قدرة المملكة في مجال إنتاج واستيراد الأغذية، مبينين أهمية تحويل هذه التجربة إلى رصيد خبرة، ونقطة انطلاق لتكون إحدى الفرص التي تستثمرها المملكة التي تعتبر منتجاً ومستهلكاً للأغذية، وتتمتع بموقع إستراتيجي، وبنية تحتية هائلة آن الأوان لاستثمارها بما يحقق رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية ... إلى التفاصيل:
تعزيز الأمن الغذائي
في البداية طرحت سؤالي الأول عن الفرص التي يمكن العمل عليها لتعزيز الأمن الغذائي بالمملكة، على المهندس سليمان بن حمد البطحي خبير شؤون التخطيط والإدارة فجاءت إجابته من واقع تجربته، فقد شدَّد على أن ربط المزارعين بالأسواق المركزية، يساهم في تحويل الغذاء والزراعة لقطاع يحقق أهداف التنمية المستدامة من خلال إتاحة إطار اقتصادي كلي.
تمكين المزارعين والمربين
وتوسع البطحي في حديثه فقال: يُمثِّل تمكين خاصة صغار المزارعين ومربي الماشية وصيادي الأسماك من الوصول إلى الأسواق المركزية ومنافذ البيع بسهولة، جزء أساسي من أي إستراتيجية تنمية زراعية وريفية هدفها أن تكون أكثر إنتاجية واستدامة وتحقق أمنها الغذائي، حيث يعمل - عالمياً - أكثر من 80 بالمائة من صغار المنتجين الزراعيين وأصحاب الحيازات الصغيرة في أسواق الغذاء المحلية.
الاقتصاد الريفي
وقال المهندس البطحي إن الدول تعمل على توسيع الاقتصاد الزراعي الريفي، وتطور شبكات الريف - المدن، ومن خلال الوصول إلى الأسواق المركزية الأكثر ترابطاً في سلاسل إمدادها، التي تتيح فرصاً هائلة لتحقيق مزيد من الدخل للمزارعين والصيادين، بعيداً عن مضاربات السماسرة و (المزايدات) التي تسيطر على الأسعار (المدخلات والمخرجات)، حيث لا يكون بقدورهم الحصول هوامش ربح عادلة لهم إلا من خلالها.
معلومات الأسواق
وشدَّد المهندس سليمان البطحي على أن مساعدة هذه الفئات (يقصد المزارعين والصيادين) في الوصول إلى معلومات عن الأسواق المتاحة لهم، والحصول على الإرشادات الخاصة بمأمونية وسلامة منتجاتهم، بالإضافة إلى التركيز على الإنتاج والتسويق ذي القيمة المضافة، يشكّل بناء لقدراتهم، وضمان لانخراطهم بشكل كامل في الأسواق والاستفادة من الفرص الجديدة التي تزيد من دخلهم، وفي الوقت نفسه حصول المستهلك - المهمش- على أغذية صحية وبأسعار معقولة.
الأسواق المستدامة
وختم بالإشارة إلى أن إيجاد أسواق زراعية وطنية وصحية ومستدامة وجيدة الأداء، وكذلك للاستفادة من الفرص التي توفرها الزراعة لحل مشاكل إيجاد فرص العمل اللائقة في الزراعة والمناطق الريفية يعود بالنفع ليس في تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية فحسب، بل أيضاً في المساعدة على تحقيق الأمن الغذائي بالاعتماد على المنتجات الزراعية والسمكية والحيوانية والترويج لها، من خلال خلق بيئة سوقية أكثر تمكيناً، وتوفير أسعار عادلة وشفافة تكافئ بشكل مناسب عمل واستثمارات أصحاب المزارع الصغيرة.
الدكتور الفهيد: بين المدخلات والمخرجات
الدكتور خالد بن محمد الفهيد، كان هو ضيفي الثاني، وهو خبير معروف في التسويق الزراعي، وسبق له العمل وكيلاً لوزارة الزراعة، وكانت رسالته للدكتوراه عن شركا ت الألبان في المملكة، وله مشاركات وطنية في كثير من المنتديات والمؤتمرات المتخصصة في الغذاء والزراعة والتنمية، فقال إن قضية الأمن الغذائي ذات ارتباط وثيق وتأثير مباشر على جميع شرائح المجتمع.
وقال الدكتور الفهيد: كما هو معلوم أن الغذاء في المملكة يتم تأمينه إما بالإنتاج الزراعي المحلي أو بالاستيراد من الخارج. والإنتاج الزراعي المحلي تتعدد وتتنوّع أنشطته ومدخلاته ومخرجاته فمنها الإنتاج النباتي بمختلف محاصيله ومشتقاته من الحبوب والخضار والفاكهة والإنتاج الحيواني فمنها الدواجن بمشتقاتها والألبان الطازجة بمشتقاتها والماشية ومشتقاتها والعسل والأسماك ومشتقاتها وكل نشاط له آلية للتعامل مع إنتاجه وتسويقه.
المناطق الرمادية
وبيَّن خبير التسويق الفهيد، أن: تعزيز الأمن الغذائي يتم عبر منظومة متكاملة بين عدد من الجهات ذات العلاقة بين الجهات الحكومية وشبه الحكومية والقطاع الخاص مما يتطلب أهمية التكامل وتذليل العقبات وتخفيف قيود البيروقراطية وتقليص المناطق الرمادية بين تلك الجهات خاصة في وجود مثل جائحة كورونا 2019 لتحقيق سرعة الإنجاز فيما يتعلق بتأمين الغذاء.
5 مقترحات
ورأى أن تحقيق هذا التوجه يتطلب الاستفادة القصوى من المقومات الطبيعية والكوادر الوطنية المؤهلة لتحقيق ذلك بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 من خلال خمسة محاور تتوزع كالتالي:
- أهمية تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في سلاسل الإمداد للأمن الغذائي مثل النقل المبرد والتخزين والتصنيع الغذائي.
- أهمية الاستفادة من خبرات الكوادر السعودية المؤهلة والتقنية التي تراكمت في الشركات الزراعية الوطنية في ظل توفر رأس المال كقروض من صندوق التنمية الزراعية خاصة في مجال مشاريع الدواجن ومشتقاتها والألبان الطازجة ومشتقاتها وزراعة البيوت المحمية.
- أهمية تطوير منظومة التسويق الزراعي في مناطق المملكة برفع قدرات الأسواق الزراعية المحلية، وكذلك أهمية توفير المعلومات عن المنتجات الزراعية التي ترد لتلك الأسواق لمعرفة مناطق الفائض والعجز فيها لإيجاد توازن بين قوى السوق من العرض والطلب على تلك المنتجات. والتحفيز لقيام كيانات للتسويق الزراعية بأحجام مختلفة في الأحياء.
- تفعيل أدوار الجمعيات التعاونية الزراعية وحث المزارعين للانخراط فيها للمساهمة في تنظيم الإنتاج الزراعي وتسويقية.
بين كورونا و أزمة 2007
وعاد الفهيد ليقلِّب صفحات التاريخ، قائلاً إنه: في ظل جائحة كورونا 2019 تكرر سيناريو أزمة الغذاء التي حدثت نهاية عام 2007 ، حيث أحجمت بعض الدول عن تصدير منتجاتها الزراعية، وهو ما أدى إلى تفاقم مخاوف أزمة تأمين الغذاء في بعض الدول المستوردة لغذائها بشكل تام، ولكن في المملكة - و لله الحمد - كان هناك إنتاج زراعي محلي ساهم بجزء كبير في سد الفجوة، واستمرار تدفق الواردات الغذائية من الخارج.
1285 جزيرة تنتظر الاستثمار
وشدَّد الدكتور خالد بن محمد الفهيد على ضرورة مراعاة أهمية رفع قدرات المحاجر الزراعية في المنافذ البحرية والجوية والبرية من الكوادر البشرية المؤهلة والتقنية للمساهمة في دقة وسرعة فحص الواردات بشكل سليم.
وأهمية الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية في المملكة لما يساهم في تسهيل إجراءات الواردات الغذائية من الماشية الحية بالاستفادة من الجزر المتناثرة التي يبلغ عددها 1285 جزيرة يوجد منها 1150 جزيرة في البحر الأحمر و 135 جزيرة في الخليج العربي لتحفيز القطاع الخاص لإقامة مدينة أنعام متكاملة (محاجر، مسالخ، مصانع للاستفادة من مخلفات الذبح، ومصانع تعليب وتغليف اللحوم) وكذلك شبكة نقل مبرد لنقل اللحوم لمناطق المملكة بشكل يومي عبر الجو أو البر.
الخميس: هذه الأصناف تنتج محلياً
ماجد الخميس المستشار الزراعي، والذي سبق له العمل في وزارة الزراعة، رأى وجود فرص في مجال الأمن الغذائي والإمكانات يمكن للمملكة أن تقوم فيها بتدعيم أمنها الغذائي كبيرة، ضارباً المثل في مجال الخضار. وقال: نستطيع أن نسد فجوة الاستيراد بنسبة 80 % إذا ما علمنا أن الجزء الأكبر من الخضروات المستوردة هي الطماطم والبصل، حيث تستورد المملكة من الخضراوات الطازجة في حدود نصف مليون طن منها 165 ألف طن طماطم و317 ألف طن بصل، ويمكن إنتاج هذه الكميات من البصل والطماطم محلياً إذا وجدت المنافسة العادلة للمنتج المحلي مع المنتج المستورد.
خزن إستراتيجي
وحول الإجراءات المطلوب اتخاذها لمواجهة صعوبة تأمن واستيراد الغذاء قال الخميس إنه من خلال التجربة الفعلية في وقت الأزمات العالمية فإن العديد من الدول توقف تصدير منتجاتها من الأغذية وهذا حصل مع دول عديدة مثل روسيا وأوكرانيا والهند وغيرها، لذا فإن الإجراء الأنسب هو أن يكون لدينا خزن إستراتيجي داخل المملكة يكون فيه مخزون يعطي احتياجاتنا لأكبر فترة ممكنة.
وختم الدكتور ماجد الخميس مشاركة بالتأكيد على أن المملكة -بحمد الله- تنتج الآن معظم الألبان الطازجة والبيض وجزءاً لا بأس به من الدواجن بالإضافة إلى الخضار وبعض الفواكه مثل التمور وبعض الحمضيات والعنب، وقد بدأ المزارعون بالتوسع في زراعة الرمان والتين والفراولة والتي ستغطي جزءاً مهماً من احتياجاتنا.