تزخر مناطق المملكة بمبادرات وتجارب متميزة لمواطنين قاموا بترميم مبانيهم التراثية وتأهيلها لاستقبال الزوار.
وتعكس هذه المبادرات ارتفاع الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على المباني والمواقع التراثية باعتبارها شاهداً حياً لتاريخ مناطقهم ومساهمة الأجداد في بناء هذا الكيان.
والدولة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقاً) وهيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة (حالياً) لم تكن لتعمل وحدها دون توعية المجتمع المحلي؛ فهناك مواطنون لهم جهودهم الواضحة ومبادراتهم الناجحة والمميزة في ترميم مواقع التراث العمراني الخاصة بهم على نفقتهم الخاصة، ومواطنون تعاونوا مع الهيئة، وآخرون تركوا مواقع للهيئة كي تعيد تأهيلها. والنجاحات لا تتوقف، والنماذج كثيرة لا يمكن حصرها.
السبيعي والنُزل التراثي
كان عبدالعزيز السبيعي يمتلك منتجعاً قديماً خاصاً بأسرة السبيعي فيه أكثر من 30 ألف نخلة، ويقع في أميز المواقع الزراعية على أطراف مدينة عنيزة بالقصيم.
قدمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقاً) من خلال فرعها في القصيم مقترحاً إلى القائمين على المنتجع؛ لتحويله من موقع تراثي قديم غير مفيد مجتمعياً إلى «نُزل ريفي».
المنتجع عبارة عن وقف لمؤسسة السبيعي الخيرية التي يمثلها عبدالعزيز السبيعي الذي أعجبه المقترح وعمل على إنشاء النزل الذي يعبر عن الخصوصية التراثية التي تتميز بها منطقة القصيم؛ فقامت ديكوراته كلها على أفكار تراثية؛ حيث تتزين الجدران بالمقتنيات الشعبية، وتتربع في أركانه المباخر والجرار القديمة، وتكتسي أرضياته بالبسط والحصر؛ ليوفر المنتجع في مجمله جواً من عبق الماضي، وجمالاً من طبيعة الحاضر. وتحظى النزل التراثية بشكل عام بإقبال من الزوار والسياح في مختلف مناطق العالم.
تأهيل مزرعة تراثية
يوسف بن علي الزنيدي يمتلك مزرعة قديمة في قلب عنيزة يصل عمرها إلى 200 عام، وتقدر مساحتها بـ40 ألف متر مربع، وهي عبارة عن بيت طيني، وبئر تم بناؤها وفق الطراز القديم، وتحتوي على غابة من النخيل المثمر والنباتات الحولية. يشعر يوسف بحنين للمزرعة التراثية التي قضى فيها طفولته، وعاش فيها ذكرياته مع والديه وأجداده، لذا صمم على تأهيلها وترميم مبانيها الطينية وفتحها للزوار.
وبدأ عملية بناء وتطوير وتأهيل الموقع بصورة تراثية؛ فأنشأ عدة نزل ريفية تم بناؤها على الطراز القديم، ويشتمل كل نزل منها على غرفتين وصالون، إضافة إلى المنافع التي تتيح كل وسائل الراحة لمَن يرغب المبيت، ومجموعة جلسات مميزة ومساحة مائية لزوار اليوم الواحد. وقام بتطوير ممر للمشاة يصل طوله إلى كيلومتر رُوعي في تصميمه أن يكون على الطراز التراثي القديم أيضاً، وقام بمعالجة الإضاءة لتكون مخفية، وأضفى على المكان رونقاً جذاباً في المساء.
«قصر الدبيخي».. من منزل مندثر إلى متحف
كانت أسرة الدبيخي تعيش في بيت طيني أشبه بالقصور وقتها، ويقع في حي القويع غرب مدينة بريدة بالقصيم. البيت مبنيٌّ بالطين على طراز البيوت النجدية القديمة، وقد سكنته الأسرة حتى عام 1398هـ، قبل أن يتحول الموقع إلى منطقة جديدة تغلب عليها البيوت الحديثة.
وكان علي سليمان الدبيخي ضمن الأسرة التي هجرت المنزل الطيني القديم، لكنه كان شغوفاً بالتراث، ومهتماً بجمع القطع التراثية، وعلى مدار 15 عاماً جمع ما يقرب من ثلاثة آلاف قطعة تراثية متنوعة، وكان باله مشغولاً دائماً بأن يكون له متحفه الخاص الذي يعرض فيه مقتنياته التي تمثل رحلة عمره.
ولأن علي الدبيخي كان يتابع كل ما يخص التراث؛ فقد قام بتطوير وتأهيل المنزل القديم، وحوَّله إلى متحف خاص تم افتتاحه عام 1433هـ. ويروي علي الدبيخي أن فكرة المتحف ظلت تراوده وتشغل باله منذ هجر المنزل القديم، وأن قصة جمعه المقتنيات كان هدفه منها في البداية المحافظة على الأشياء القديمة الخاصة بعائلته، ولكن الفكرة كبرت وتطورت؛ فبدأ في جمع المقتنيات الأخرى. وعندما أصبح لديه موروث شامل يغطي فترات زمنية مهمة من تاريخ المنطقة تبلورت الفكرة أكثر وأكثر؛ ليصبح القصر متحفاً يضم هذه المقتنيات التاريخية والثقافية، وقامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني -سابقاً- بمساعدته في ترميم القصر وتهيئته للعرض المتحفي، حتى تم افتتاحه أمام الجمهور.
الكوت.. أول فندق تراثي احسائي
ويعد فندق الكوت التراثي بمدينة الهفوف أول فندق تراثي على النمط العمراني الاحسائي القديم. حيث قام مالك الفندق بتحويل أحد القصور التراثية إلى فندق تراثي بطاقم سعودي كامل. وكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية قد افتتحا فندق الكوت التراثي بالهفوف وذلك على هامش حفل تسجيل واحة الأحساء كموقع تراثي عالمي باليونسكو في عام 1439هـ.
وقد أشاد الأمير سلطان بن سلمان في تصريح صحفي بالفندق التراثي، مثنياً على مبادرة مالكه عبدالعزيز بن محمد العبدالقادر بإنشاء الفندق التراثي مما يؤكد اهتمامه واعتزازه بتاريخ وتراث منطقته وارتفاع الوعي لديه ولدى أهالي الأحساء بأهمية وجدوى الاستثمار في مواقع التراث، لافتاً إلى أن الفنادق التراثية تمثل مشاريع اقتصادية مجدية وهي منتشرة بشكل كبير في أوربا وعدد من دول العالم.
وتبلغ مساحة فندق الكوت التراثي 963 متراً مربعاً، ويبلغ عمر المبنى نحو 200 عام، ويضم ثمانية أجنحة فضلاً عن المطعم. ويقع الفندق وسط الهفوف مقابل قصر إبراهيم التاريخي، وعلى مسافة قريبة من بعض معالم الأحساء التراثية مثل: بيت الملا «البيعة»، والمدرسة الأميرية «بيت الثقافة»، وسوق القيصرية.