فيصل خالد الخديدي
يسعى الفنان عادة لبناء وتطوير ذاته الفنية والعمل على رفع مستوى أدائه وتنمية أدواته الإبداعية وصقل موهبته الفنية، وفي غمرة انشغاله ببحثه الفني والانغماس في العمل ولذة الإنجاز تتباين اهتمامات الفنانين في مستوى التواصل والتسويق لذواتهم وإبراز منجزاتهم الإبداعية، فالأمر لم يعد يعتمد على جودة المنجز الإبداعي وتمكنه فقط بقدر ما يدخل فيه كثير من العوامل التي تدعم وتبرز الفنان وأعماله. فدوائر الاهتمام بالفنان وإبراز منجزه تتنوع بين دائرة اهتمام المؤسسات الثقافية والفنية الحكومية والخاصة وهي الدائرة التي يفترض بها أن تكون الأوسع وتستوعب إبداعات أكبر شريحة من الفنانين وأعمالهم مهما تباينت اتجاهاتهم وأجيالهم، كما أن الدائرة الإعلامية والقراءات النقدية تختصر كثيراً من الجهد على الفنان وإبراز أعماله وهي من الأهمية بمكان لا يقل عن دائرة الاهتمام من المسوقين والمقتنيين وصالات العرض.
يحظى العديد من المبدعين بدوائر الاهتمام جميعها أو بعضها وتسليط الضوء على منجزاتهم، ولكن هناك شريحة ليست بالقليلة من المبدعين لم تطلهم أي دائرة من الاهتمام فإبداعاتهم لم تدخل ضمن مشاريع المؤسسة الثقافية ولم تنصفهم حروف النقاد ولا أبرزت منجزاتهم عدسات الإعلام وأدارت ظهرها صالات العرض لأعمالهم ولم تحتويهم اقتناءات المسوقين والمقتنيين مع أن منجزاتهم منافسهم وإبداعاتهم حقيقية مميزة، وأمام هذه الجفوة لإبداعات العديد من الفنانين وإبعادهم أو ابتعادهم عن دوائر الاهتمام يبرز عدد ليس بالقليل من الفنانين والفنانات المبدعين بمنجزات متميزة ومنافسة صانعين لأنفسهم دوائر من الإشهار والإظهار مكتفين بذواتهم ومنتشرين بأعمالهم في مواقع التواصل وبجهود ذاتية مبتكرين مكنتهم الإعلامية الذاتية بشريحة عريضة من المتابعين بمختلف الثقافات والمستويات، ولعل ما حققه ويحققه الفنان خالد (كهاليد) والفنانة ريم الغامدي في مواقع التواصل من منجزات فنية سريعة وأعمال مميزة بين اسكتشات وأعمال لونية مكتملة تواكب روح العصر تشي بتمكن وإتقان الفنانين وجودة إبداعاتهم وحضور الفكر الإبداعي والتنويع في المخرجات، وهو ما يميز أيضاً الفنانتين أماني البحيري وخديجة الدين اللتان اهتمتا أيضاً في رسوماتهما بالتشريح والمنظور ونظريات اللون وامتد إبداعهما ليتجاوز مواقع التواصل إلى أرض الواقع بتأسيس مراسم لعقد الدورات التدريبية وامتداد لإبداعاتهم من خلال التدريب لمستويات مختلفة من المواهب الفنية والمبتدئين، وفي زاوية إبداعية لا تختلف عن سابقيها كثيراً في الإبداع والإتقان إلا أنها أقل انتشاراً ولم تشملها دوائر الاهتمام المستحقة تأتي أعمال الفنان نايف سويد الذي أبدى تمكناً لونياً وتكعيبية الأشكال تتوافق مع التنوع والثراء اللوني في أعماله، وتأتي أيضاً أعمال الفنانة ابتهال المنصور بمنجز أنيق وألوان مشرقة وتمكن بالرسم الإلكتروني لا يقل عن إتقانها في التلوين والإبداع في الأعمال اليدوية، وتأتي أيضاً الفنانة نجاة مطهر بمنجز مليء بالإنسانية وتوثيق العادات الحجازية في أعمال تشع لوناً وحيويةً وتألقاً لتكون أعمالها هي وغيرها من المبدعين الذين أطلقوا الضوء من خارج دوائر الاهتمام شاهدة على أن الإبداع الحقيقي يفرض نفسه حتى لو همش وجافته دوائر الاهتمام، وما هم إلا عينة من شريحة كبيرة من المبدعين الذين لم يكتب لأعمالهم أن تكون داخل دوائر الاهتام، فصنعوا دوائر من نور حولهم وحول إبداعاتهم.