د.محمد بن عبدالرحمن البشر
لا أعتقد أن هناك من لا يعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأنها مصدر معظم الاختراعات الحديثة، وفوق ذلك كله سيادة العملة الأمريكية الممثلة في الدولار، على سائر عملات العالم، وكلنا يعلم أن العملة هي مخزن الثروة، لهذا فإن جميع الثروات العالمية، أثناء التبادل التجاري لا بد لها أن تمر عبر الدولار لتنال الولايات المتحدة نصيباً منه، كما أن بإمكان هذه الدولة الكبيرة أن تفرض العقوبات على الدول والأفراد، ومن النادر أن تقدم دولة أو كيان على تخطي هذه العقوبات، إلاَّ بطرق ملتوية.
كل هذه الميزات التي تختص بها أمريكا جعلت العالم قادة وشعوباً يترقبون ويتابعون الانتخابات الأمريكية، بشغف، إلاَّ من لا يعنيهم هذا الأمر لدى عدد محدود من شعوب الأرض.
منذ قرون والمتسيد على الساحة الأمريكية حزبان هما الحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، وإن كان هناك فرق في نهجي الحزبين، فإن المصلحة الأمريكية نقطة التقاء، كما أن التوافق في الحروب يكون تاماً حتى مع عدم قناعة أحدهما بجدوى الحرب.
ويبقى الاقتصاد عامل حاسم في الانتخابات الأمريكية، وما يهم المواطن الأمريكي هو الحصول على وظيفة بأجر مجزٍ، مع مراقبة التضخم، ولكل حزب نهجه في خفض البطالة، فالحزب الجمهوري يؤمن بأن خفض الضرائب على الشركات والأفراد يعزز الاقتصاد مما يؤدي إلى توفر الوظائف، للوصول بالبطالة إلى أقل حد ممكن، وأن دخل الدولة سيزيد من خلال ارتفاع معدل النمو، وهناك نقطة حدِّية لهذا الأمر يعرفها الاقتصاديون، وليس هذا مقام ذكرها، أما الحزب الديمقراطي فيرى أن رفع الضرائب مهم لسد عجز الدولة، والأهم من ذلك إعادة توزيع الثروة لنقل جزء منها من جيوب الأغنياء إلى الخدمات العامة للشعب لتخفيف تكاليف معيشتهم.
لكن علينا أن نعرف أن عجز الميزانية لهذا العام بلغ أكثر من ثلاثة ترليونات، وأن دين الحكومة الأمريكية سيتجاوز هذا العام ستة وعشرين ترليوناً، وسيشكل نسبة أعلى بدرجة جلية أكثر من مائة في المائة من إجمالي الإنتاج الوطني، ويبدو أن تصحيح هذا الوضع سيكون عسيراً في السنوات القادمة لكن تأثير ذلك لن يكون كبيراً على الدولار بفضل الهيمنة على اقتصاديات العالم.
كورونا وأسلوب معالجتها ضيفاً جديداً طارئاً على الساحة الإنتاجية الحالية، لكنه لن يكون موجوداً في الانتخابات التالية لهذه الانتخابات إلاَّ إذا استمر هذا الوباء أربع سنين قادمة، وهذا ما لا يمكن تصوره في ظل قرب الوصول إلى لقاح في القريب العاجل.
تحتل العلاقات الخارجية الأمريكية مرتبة أقل أهمية من الوضع المحلي لدى الناخب الأمريكي، لكنها أكثر أهمية لدى رجال الأعمال والمثقفين، وحملة الأسهم الكبيرة للشركات التي تعتمد على التبادل التجاري، أو تلك متعددة الجنسيات.
تبرز الصين كمحور رئيسي في هذا المجال، فكلا الحزبين يتوجس خيفة من هذا التنين القادم في مجال الاقتصاد والتقنية والابتكار، والذي يسابق الزمن للحاق بأمريكا وتجاوزها في إجمالي الإنتاج الوطني، إذا لم يكن قد تجاوزها، باستخدام المقياس الجديد الذي يأخذ بعين الاعتبار التضخم المحلي، والقدرة الشرائية، فإذا كان الفرد في أمريكا يلزمه ستة دولارات لشراء الهامبرجر مثلاً، فإن المواطن الصيني يلزمه ما يعادل ثلاثة دولارات أو نحوها من العملة الصينية الايوان، وإذا تم استخدام هذا المعيار فإن الصين يبلغ إنتاجها الوطني أكثر من أربعة وعشرين ترليوناً بينما لا تتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية عشرين ترليون دولار، ناهيك عن عدد الكفاءات القادرة في الصين مقارنة بغيرها، كما ذكر الرئيس التنفيذي لشركة أبل، عندما سئل عن سبب تواجد الشركة في الصين، فقال إن مقولة رخص اليد العاملة لم يعد مقبولاً للتبرير، لكن الواقع أننا لو أردنا الحصول على عدد من المهندسين في مجال معين دقيق وحساس فإننا لن نحصل في الولايات المتحدة الأمريكية سوى على عدد لن يملأ غرفة صغيرة، بينما نستطيع الحصول على عدد يملأ ملعب كرة قدم في يوم واحد، وبكفاءة عالية في استخدام الأدوات والمهارة الفائقة في إنجاز العمل بسرعة فائقة.
سوف نتجاوز الحديث عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لنذكر أن علاقات المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، استرتيجية وراسخة، وعلى توافق مع معظم القضايا سواء كان الموجود في البيت الأبيض الحزب الجمهوري، أو الحزب الديمقراطي، وكلا الحزبين يعرف أهمية المملكة في المنطقة، والعالم، وتأثيرها الكبير في مجال سوق الطاقة والاقتصاد العالمي وأثرها على العالم الإسلامي والعربي، وجهودها في محاربة الإرهاب على مستوى العالم، وسعيها لبسط السلم والأمن في جميع الدول.
ناهيك عن الحكمة والحزم في اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس المواطن والوطن، والمنطقة جميعها، والوقوف بكل قوة في وجه الدول التي تحاول الهيمنة على المنطقة.