د. عبدالحق عزوزي
صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين مرشحة الرئيس دونالد ترامب القاضية المحافظة إيمي كوني باريت عضواً في المحكمة العليا، وبالتالي تكريس هيمنة اليمين على أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة. وأشاد ترامب الساعي للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل بتعيين باريت واصفاً هذا الحدث في حفل أقيم في حديقة البيت الأبيض وحضره جمع بينه عدد من البرلمانيين بأنه «يوم تاريخي لأمريكا»، من جهتها قالت القاضية الكاثوليكية البالغة من العمر 48 عاما بعدما أدّت قسم اليمين أمام عضو المحكمة العليا القاضي كلارنس توماس «أقف هنا الليلة بكل فخر وتواضع».
وبمصادقة مجلس الشيوخ على تعيين باريت، الكاثوليكية البالغة 48 عاما، قاضية في المحكمة العليا، كتب البعض بأنه بإمكان ترامب أن يستغلّ هذا الانتصار في جولاته الانتخابية لحشد التأييد في الولايات المتأرجحة وتقليص الفارق مع خصمه الديمقراطي جو بايدن الذي يتصدّر حالياً استطلاعات الرأي. ولكن هل هذا التعيين سيكون له تأثير على الانتخابات الرئاسية؟ الجواب سيصبح مفهوماً إذا ما استحضرنا طبيعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المعقدة، والتي نجد نحن أساتذة العلاقات الدولية والقانون المقارن حلاوة في إعطاء أسئلة عنها لطلبتنا في الجامعات عندما نريد أن نمتحنهم عن النظام الانتخابي المقارن في الدول الغربي؛ ووحدها الولايات المتحدة الأمريكية تتبع نظاما خاصا ومعقدا لم يستطع أحد تغييره رغم الدعوات المستمرة من الكونجرس بل ومن القانونيين الأمريكيين...
فأول مسلمة قانونية في هذا النظام الانتخابي المعقد هو أنه قائم على الاقتراع العام غير المباشر، من حيث اعتماده في نهاية المطاف على الهيئة الناخبة أو ما يسمى «المجمع الانتخابي» أو الكلية الانتخابية (Electoral College) لحسم هوية الرئيس الجديد. وهذا يعني طبعا أن الحصول على غالبية أصوات الناخبين لا يعني الفوز بالاقتراع.
ونحن نتذكر أنه في 8 نوفمبر - تشرين الثاني 2016 حصلت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على نحو ثلاثة ملايين صوت مقارنة بمنافسها الجمهوري دونالد ترامب، لكن هذا الفارق في ما يسمى «الاقتراع الشعبي» لم يمنع الرئيس الأمريكي الحالي من الفوز برئاسة الولايات المتحدة خلفا لباراك أوباما. والسبب وراء هذا الأمر الذي يعرفه فقهاء القانون الدستوري جيدا، هو أن ما يحسم السباق إلى البيت الأبيض هو الهيئة الناخبة أو «المجمع الانتخابي.»
ويعود نظام الانتخاب الرئاسي بالاقتراع العام غير المباشر في دورة واحدة إلى دستور 1787، وحدده ما يمسون «الآباء المؤسسون» (بينهم جورج واشنطن وتوماس جيفرسون) كتسوية بين انتخاب رئيس بالاقتراع العام المباشر وانتخابه من قبل الكونغرس وفق نظام اعتبروه في وقته غير ديمقراطي.
وعملاً بهذا النظام، يتعين على مرشح رئاسي الحصول على الغالبية المطلقة من أصوات الهيئة الناخبة، أي 270 من 538 صوتاً، للفوز بمقعد البيت الأبيض. ورغم عدة محاولات في الكونغرس لإجراء تعديلات أو لإلغاء الهيئة الناخبة إلا أن الأمر لم يتغير منذ 233 عاماً.
ويتوزع كبار الناخبين على الولايات الخمسين التي تشكل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى العاصمة الاتحادية واشنطن، وفقاً لعدد ممثلي كل منها في مجلس النواب (حسب عدد سكان الولاية) وفي مجلس الشيوخ (اثنان لكل ولاية بغض النظر عن الحجم).
ولا يزال هذا النظام الانتخابي يثير الكثير من المداد والجدال في الولايات المتحدة بين السياسيين والقانونيين، لاسيما أن ترامب هدد عدة مرات بعدم الاعتراف بنتيجة التصويت في حال فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن.
وفي المجموع، وصل خمسة رؤساء للبيت الأبيض رغم أنهم خسروا الاقتراع الشعبي. أولهم جون كوينسي أدامز عام 1824 وآخرهم جورج بوش الابن في عام 2000
وكان غور قد فاز بفارق 500 ألف صوت عن بوش على المستوى الوطني، لكن عندما فاز بوش بأصوات فلوريدا ارتفع مجموع أصوات الهيئة الناخبة إلى 271 ما حسم له الرئاسة؛ وبعد فوز ترامب بـ306 من أصوات كبار الناخبين في انتخابات 2016، وقع ملايين الأمريكيين عريضة تدعو كبار الناخبين الجمهوريين إلى قطع الطريق عليه. لكن المساعي باءت بالفشل في غالبيتها، لأن عضوين فقط في تكساس التزما بالدعوة، ما ترك ترامب مع 304 أصوات.
هذا هو طبيعة النظام الانتخابي الأمريكي، وهو ما ينذر بمفاجآت غير مسبوقة في الأيام القليلة المقبلة.