زكية إبراهيم الحجي
يصادف الإنسان في حياته الكثير من المواقف الصعبة والعثرات المؤلمة وربما يصعب عليه تجاوزها إذا لم تتوافر لديه العزيمة لتقبل الأزمات التي تواجهه ويعيش الظروف موقناً بأن الحياة لا تسير وفق خطوط متوازية مع رغباتنا وأمانينا.. فثمة ما يتعارض مع ما نريده وقد يكون هذا التعارض بمثابة صدام يقوِّض فرصاً كثيرة تخصنا أو ما هو بيننا وبين الآخرين.. وحقيقة فإن الكثير من قيم الحياة الجميلة وحتى لو تخللها ما لا يوافق أهواءنا وتعارض مع أفكارنا هي أكبر من أن تجعلنا نسقط في صغائر الأمور ومشاكلها ونبني حاجزاً بيننا وبين الآخر أياً كان جنسه ولونه ومذهبه وثقافته.. التنوّع بحد ذاته ليس معضلة تواجه الدول والمجتمعات المختلفة.. بل إن المعضلة تكمن في كيفية إدارة هذا التنوّع لأن منطق الاستمرار والتواصل ضرورة تقتضيها الفطرة البشرية وتفرض على الجميع تقبل وتفهم بعضهم البعض ليكون المجتمع أكثر سلاماً وتناغماً.. هذا هو مبدأ التعايش السلمي ومفتاحه التسامح.
التسامح من أعظم القيم والمبادئ التي تحقق مبدأ التعايش السلمي بين البشر.. ورغم أن هذا المصطلح يُستخدم في سياقات اجتماعية وثقافية ودينية.. إلا أننا نجد أن القواميس اللغوية التزمت دلالة حرفية مباشرة لمفهوم التسامح والمتمثّل «بالتساهل» ولعل هذا ما دفع البعض للتركيز على الوجه السلبي والمغلوط لمفهوم التساهل كالتساهل في القيم الأخلاقية أو التساهل في تطبيق القوانين والضوابط المجتمعية أو الاعتقاد بأن التسامح هو دليل ضعف وانهزام أمام الآخر.
وعلى الرغم من أن تشكّل مفهوم التسامح يرجع إلى مراحل قديمة في التاريخ الإنساني إلا أن معظم الدراسات التي تناولته من منظور تاريخي تشير إلى أنه لم يتحول إلى مفهوم مركزي في الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي إلا في فترة ما عُرِف بالإصلاح الديني التي تلت الحروب الدينية والسياسية التي اجتاحت الدول الأوروبية في القرن السابع عشر.. ففي خضم اضطرابات واتهامات متبادلة بدأ الكتَّاب والمؤلفون في أوروبا في استخدام مفردة التسامح في منشوراتهم وذلك للاحتجاج على محاكم التفتيش والاضطهاد الواقع على من وُصفوا بالزنادقة.
إن أعمال العنف والعنف المضاد التي تنتشر في شتى مناطق العالم تنطوي في عمقها على نوازع أنانية وحالات تعصب ودوافع للهيمنة من شأنها أن تفسد مناخ التعايش والتآلف بين تيارات فكرية ومذهبية وعرقية مختلفة وتؤدي إلى إلغاء الآخر أو تحجيمه مما يؤدي ردود فعل قد تتخذ صوراً أكثر عنفاً.
بدأت الدعوة إلى التسامح تأخذ بعدها العالمي عندما بدأت المواثيق الدولية تذكرها وتشير إليها، وقد أثمرت الجهود الدولية بشأن نشر ثقافة التسامح عبر صدور إعلان»مبادئ التسامح»عن المؤتمر العام لليونسكو عام 1995 وإعلان عام 1996 عاماً دولياً للتسامح.