سهوب بغدادي
مما لاشك فيه أن استضافة المملكة لأعمال مجموعة العشرين لعام 2020 أمر في غاية الأهمية بغض النظر عن ماهية وتنوع أعمال المجموعة، خاصة في ظل الأزمة الصحية العالمية بتفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 . حيث كان للمملكة العربية السعودية الدور الريادي في خضم الجائحة الصحية، بتفعيل النقاش والتوصيات لتخطي الأزمة بإذن الله تعالى. فيما يعد استغلال وتوظيف مثل هذه المحافل والجموع في تحسين صورة قديمة أو حتى خلق صورة جديدة أمر يتطلب توظيف جميع الطرق والموارد والجهود المتراكبة لتحقيق الهدف. في حين يوجد للتغيير مداخل وأبواب عديدة، وذلك إما عن طريق السياسة أو الدبلوماسية، حيث تشبه السياسة في مفهومها أسلوب الأسد وفي المقابل تشبه الدبلوماسية بنهج الثعلب. أي أن السياسات في أغلب الأحيان تعتمد على مسار واضح، في الوقت الذي تلعب الدبلوماسية دور في إيصال المعلومة أو الهدف المراد بطرق غير مباشرة وإن كان التأثير بسيطا مقارنة بالنهج السياسي. من هنا، لا يخفى عليكم أن الصورة النمطية المشاعة حول المملكة الحبيبة والإسلام على مستوى العالم ليست في أبهى حالاتها، فيما تعددت الأسباب والناتج واحد. إلا أنه بالإمكان إعادة تقويم الصورة من خلال السياسة الواضحة والدبلوماسية العامة وأساليبها المتعددة أو ما يعرف بالقوة الناعمة بتعريف جوزيف ناي، إذ تعمل أدوات القوة الناعمة في عملية إحداث التغيير. ونذكر منها الثقافة كقوة ناعمة ويدخل في هذا النطاق الفنون بأنواعها وصناعة الأفلام والمتاحف والموسيقى والطبخ والأدب وتفعيل دور الترجمة حيث يعد الفن لغة عالمية جامعة للشعوب والموسيقى لغة السلام. وبالتطرق إلى الأداة التالية، نشدد على مفهوم التأثير الذي قد يكون إيجابيًا أو سلبيًا باختلاف الأداة وأهدافها وطرق مخاطبتها للفئة المعنية. إن الإعلام سواء كان تقليديا أو رقميا أو صحافة المواطن أحد أهم السبل لعكس ثقافة ما.
لذا نرى العديد من القنوات التلفزيونية والمنصات المختلفة توظف أجندات ورسائل مقننة لإبراز أمر ما وتسطيح قضايا أخرى لا تصب في صالحها. كما تعد الرياضة قوة ناعمة ومن أهمها كرة القدم على سبيل المثال التأثير المرتبط باللاعب المصري محمد صلاح وتمثيله للعرب خارجيًا. فضلاً عن السياحة التي لمسنا تفعيلا لها خلال العام الماضي قبل تفشي الفيروس المستجد. علاوة على الأعمال الإنسانية والخيرية والإغاثية المتمثلة بمركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية الذي يجوب العالم لتقديم المعونات للدول المحتاجة والمنكوبة على سبيل المثال مساعدة السودان إثر السيول الأخيرة التي أودت بحياة المئات وخلفت دمارا في البنى التحتية. ويجدر الذكر بأن البعثات التعليمية والثقافية لها الدور الكبير في إحياء صور إنسانية بمعنى أنسنة الدين الإسلامي وأنسنة الشعب السعودي، حيث يعد الشباب في الخارج سفراء للوطن من خلال مشاركاتهم في الأندية الطلابية والمحافل الثقافية وحوارات الأديان وقد يكون تأثيرهم بشكل فردي فعال من خلال التحلي بالأخلاق الحسنة وحسن الجوار وما إلى ذلك. إلى جانب الموطن والموضع الأهم على المدى البعيد ألا وهو التوعية والتأهيل، ويتأتى ذلك من خلال البرامج النوعية والمختصة بإعداد شباب وشابات الوطن بهدف تمثيل المملكة خارجيا وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لإبراز الصورة الحقة عن الدين والوطن، مثالا على ذلك برنامج سلام للتواصل الحضاري الذي أهل حتى اللحظة ما يقارب 200 شاب وشابة من مختلف التخصصات. كما يبرز دور مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) بتحقيق كل ماسبق بتمركزه في الخارج واحتضانه العديد من المبادرات التي تخدم المملكة بصورة إيجابية والدين الإسلامي بين مختلف الأديان والثقافات والحضارات.
«إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبة» قوستاف لو بو.