أ.د.محمد بن حسن الزير
كنتُ واحدًا من ملايين (المواطنين السعوديين، وملايين العرب والمسلمين) الذين استمعوا منصتين لخطابكم (الفريد المتميز) وتلقوه بكثير من الرضا والاستمتاع، والانفعال والتفاعل، ويقيني أنهم جميعاً يقولون معي: «شكرًا سمو الأمير، رسالتُك وصلتْ إلى قلوبنا قبل أسماعنا! شهادتُك كانت نقيّة وفيّة وافية مؤثّرة! لأنها كانت صادقة وعفوية و(طبيعية) وبليغة ومعبرة! ولئن كانتْ موجهةً للمواطن السعودي والمواطنة السعودية، ولمواطني دول الخليج، بالدرجة الأولى؛ فقد كانت عابرةً للحدود نافذة إلى (كل قلب سليم) وإلى كل من {.. أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق 37)، في الوطن العربي وفي الأمة الإسلامية وفي العالم أجمع! لأنها صادرة من القلب فقد وقعت في القلب، وهي في الوقت نفسه نافذة إلى (العقل السليم) لأنها خطاب منطقي متزن متوازن واضح مُبين! وكما كُنْتَ بليغَ الخطاب بكلماتك وعباراتك ولغتك اللفظية؛ كُنْتَ في الوقت نفسه بليغاً في تفاعلك مع كلامك بلغتك (الجسدية المعبّرة بتلقائية وعفوية ومصداقية) في الحركة، وفي الإشارة، وفي السكتة، وفي التوقف.. ثم معاودة الحديث، وحضور ملامح التعجب والاستنكار والاستغراب والاستهجان، وقسمات الألم والحزن!
شكرًا لك أيها الأمير.. المواطن المخلص من إخوانك المواطنين الذين وجهتَ إليهم حديثَكَ القيّم، وشكرتَهُم في الختام بقولك الكريم:».. وهذا اللي حبَّيْت أني أشرحه لإخوتي وأخواتي المواطنين؛ لأهمية اللحظة والظرف اللي حنا نعيش فيه الآن، والتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وشكرًا لأنكم أعطيتوني وقتاً أحكي معكم في هذا.
ونحن نقول:»شكرًا الأخ بندر بن سلطان! لقد شفا حديثُكَ (بالحقِّ جَهْرَا) أنفسَنَا وأبرأ سُقمَها؛ لا فُضَّ فُوكَ ولا عاشَ من يشنوك! لقد واجهتَ فصابرت.. و(صاليتَ الحَدَثَ سِرَّهُ وجَهْرَهُ حَرَّهُ ومُرَّهُ) فصبرت ثم تذكرتَ فوَعَيْت.. ونطقتَ فجَهَرْت.. وتحدثت فبلَّغت.. وأوجزت فأبلغت.. وقلت فأوفَّيْت ووفَيْت.. وشهدتَ فصدقت.. وحكمتَ فعدلت.. وأتُمِنْتَ فنصحت.. ووعظت؛ كما قال ربنا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} (النساء 63).. وشخَّصْتَ الداء وللدواء وصفت.. وضربتَ (المثل فأصَبْت!) وتناولت (قضيتنا الفلسطينية المركزية) فأضأتَ برباطنا بها وأشرَقْت بديمومة علاقتنا بها ومجاهدتنا من أجلها؛ بشهدائنا في الميدان قبل أقوالنا (وفيصلنا الشهيد في صدر قائمتنا! وسلماننا العميد للعمل العتيد بكونه صاحب العلاقة الاستثنائية لعقود وعقود على رأس الجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني ودعمه المتنوّع المتواصل، على مستوى المملكة، وهو القائل: «إن القدس جزء من العقيدة، والعقيدة لا تقبل المساومة!).
لقد كنتَ الرائدَ الذي لا يكذبُ أهْلَه، والجنديَّ الذي لا يخذل قومَه! لقد أشعلتَ فينا لَهِيْبَ الحُرقةِ (بحُرْقَتِك) وأثرتَ فينا وخزة الألم (بألمك) وأوقدتَ جذوة الحزن فينا (بحزنك) على فًرَصِ قضيتِنَا الضائعة.. وألبانها المسكوبة.. وأزمانها الثمينة المُهدرة.. ومعاناة شعبها المبتلى بعدو لا يرحم.. وقريب لا يعرف كيف يغنم.. وقيادة تفرط ولا تندم! أشغلتْ نفسَها بالفُرْقة والنزاع، وباللجلجة فيما (بينهم) والصراع.. وصار فعلُهم (فشلاً متحققاً بالإجماع) قد حذَّرَ منه (الله) جلَّ في علاُه فقال: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال 46) ثم (هي زُمرة) قد أمعنت في ضلالها المبين؛ بما صارت إليه من عدم الوفاء، وما هي عليه من نُكْرانٍ للجميل، ومن َ نَعِيْبٍ بخطاب السوء والعويل، دون حياء ولا خجل، وبلا خوف ولا وجل! واتخذت هذا السبيلَ لها عاده؛ لأنها على مثله (فيما بينها) مُعْتاده! وهو خطأ منهم فادح، وسلوك تُجاه الكرام فاضح! يؤلم أهل المروءة والوقار، ويرفضه كلُّ أبيٍّ عَرَبيّ! ويأباهُ كلُّ وفِيٍّ يَعْرُبِيّ!
لقد كنا نعرفكَ (جُنْديا) طياراً و(صقراً) جوياً في (ميدان الشرف العسكري) في قواتنا المسلحة السعودية الباسلة المُعَدَّة والمُسْتَعِدَّة (دائماً) للذود عن حمى الحرمين الشريفين، وحياض الوطن وحدوده، وحفظ أمن (الوطن والمواطنين والمقيمين) واستقراهم ومعاشهم في كرامة ووئام وطمأنينة وسلام.
كما كنا نعرفك (فارساً في ميدان (الدبلوماسية) ومعتركها (العنيف اللاهب) على الرغم من تدثره (بلباسها الحريري الناعم) مهما تلبَّسَ بهدوء باهر، وتزيَّا ببرود ظاهر! وقد أبليتَ - في ذلك (الميدان السياسي) الذي لا يقلُّ خطورة ولا وعورة ولا مزالق من (الميدان العسكري) - بلاء حسناً مشهوداً، وأي بلاء! وصبرت على مخاطره وأهواله وكابدتَ مشقاته ولأواءه، ونجحت بتفوق، وبالعلامة الكاملة! ولكنكَ وإن كنتَ قد نجحتَ، بتوفيق الله وتسديده، في تجاوز مطبات العمل السياسي، والنجاة من (محارق مشكلاته) إلا أنك لم تسلم (فيما مضى واليوم) من (حُرْقَةِ الألم ومعاناة أحزانه) بسبب نكران الجميل، وهجين الفعل الذميم، تُجَاهَ ما قدمه قادة هذا الوطن الكريم؛ (المملكة العربية السعودية) بدءاً من المؤسس العظيم (الملك عبد العزيز آل سعود) طيّبَ الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، الذي كان مهموماً بقضية العرب والمسلمين الأولى (القضية الفلسطينية) وكانت بحق جزءاً من همه وقضية من قضاياه (المحورية) إن لم تكن هي (القضية) فقط (في مباحثاته ومجادلاته السياسية والفكرية والحقوقية) في لقائه التاريخيّ مع الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت) عام 1945م، والتي وثقتها الخطابات المتبادلة بينهما فيما بعد بوقت قصير! وما تلاها عَبْرَ التاريخ، وخلال حكم القادة الملوك السعوديين ومن الأمراء والمسؤولين في الدولة من جهود ومواقف ودعم بالرجال في ميدان القتال، وبالمشاريع والأموال، وبالمواقف السياسية والعملية، وبذل المحاولات مع صنَّاع القرار العالمي، وهو مجهود مشهود متواصل منذ عهد المؤسس (عبد العزيز بن سعود) بالأمس إلى عهدنا المشهود؛ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، -حفظهما الله برعايته وتوفيقه-.
ولا عجب أن يتخلَّف التوفيق عن هؤلاء الجاحدين، وهم الذين توالت (أعمالهم) تترى في (مسلسل) إهدار الفرصة تلو الأخرى، دون أدنى (حكمة أو سياسة) وبلا أدنى عناية أو مبالاة، وبلا أقل قدر من إحساس بالشعور بالمسؤولية، تجاه معاناة الشعب الفلسطيني ومصالاته اليومية لنِيْرِ الاحتلال وآلامه القاسية! وعدم قدرتها على (تقديم شهيد واحد!) كان يمكن أن يرفع معاناة هذا الشعب (المُبْتَلَى) ثم فوق هذا يأتي هذا (التنكُّرُ المقيتُ والخطاب المشين) الذي تُقَابَلُ به تلك المساعي المتتابعة الحميدة والمتواترة العديدة!
ولكننا اليوم ننصت إليك (فارساً) في ميدان (الكلمة وفن الإلقاء وتوجيه الخطاب) وبلاغة البيان الساحر المؤثّر! تقدم لنا (شهادة للتاريخ وزيادة؛ لأنها جاءت مفعمة بحكمة السياسة ورشادتها، وإرشاداتها) نعم، هي بيان تاريخي مهم بالتأكيد؛ ولكنها فوق ذلك والأهم من ذلك أنها (بعثٌ للمستقبل وحفزٌ للتغيير بالنسبة لقضية الأمة المحورية، وتغيير مياهها الآسنة الموبوءة؛ لعل اللهَ يغيِّر أحوالها إلى خير وتوفيق!) إنها دعوة استسقاء للشعب الفلسطيني الشقيق بأن يغيِّرَ ما بنفسه من عوائق ومصدات تصد عن سبيل حل قضيته ورفع معاناة (الشعب الفلسطيني الشقيق الحبيب) الذي ابتلي ببلاءين شديدين؛ بلاء الاحتلال البغيض، وبلاء القيادة ذات (البوصلة الفاسدة) التي تحدد اتجاها، في طريق الضلال نحو (فارس وطهران وأنقرة وطوران!) في اصطفاف بائس مع أعداء الأمة من فارس، وإخوانهم من أهل النجاسة والدسائس. إنها قيادة تفتقر إلى (السداد والفطنة وإلى التوفيق والحكمة) وكما قال الملك عبد الله -رحمه الله-، وهو يسألكَ (مُتَلَهِّفَاً) للاطمئنان على أخبار (وصولهم إلى اتفاق!):»هاه يا بندر! سبع ولا ضبع؟! قلت: والله يا طويل العمر ما أظنه بيجي سبع! بس ضبع..! ما أدري وشو! قال: وش لون؟!» وبعد أن أخبرتَه بما حصلَ قالَ لكَ: «لا حول ولا قوة إلا بالله! مهوب موفقين يا بندر!»
وأعتقد أن هذا العنصر (البناء الخطير) من أهم (رسائل) خطابكم (العميق النحرير) ودليلٌ حي صادق، على قوة الصلة وعمق الارتباط (بالقضية الفلسطينية) بوصفها قضية محورية، تمثِّل (مركزية راسخة في الإحساس العميق بالمسؤولية الوطنية في السياسة الوطنية لدى السعوديين تُجَاه القضية) قيادةً وحكومةً وشعبا: كباراً وصغاراً رجالاً ونساء) ودليلٌ على الرغبة الملحة (الصادقة) في مواصلة (المجاهدة والجهود وحشد الهمم وإحكام العهود) لإنقاذ الشعب الفلسيطيني، بحق وحقيق، من واقعه البائس الذي يحيط به من أعدائه في الداخل والخارج! وإخراجه من مشكلته التي (يمثّل القادة الفاشلون) جوهرها (الأساس، وشرها الوسواس) وكما قال الشاعر العربي من قديم:
لا يصلحُ القومُ فوضَى لا سَراة لهم
ولا سَراة إذا جُهَّاُلهم سَادُوا.