لا شك بين العقلاء في أن الخروج عن الشرع الحنيف، وعدم الالتزام بالنظام واستغلال غيابه لتحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية، وسوء استخدام المنصب العام والسلطة الرسمية الممنوحة للشخص لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته، فسادٌ يأباه الشرفاء الصالحون الذين يحرصون على الحلال الطيب.
وقد حرَّم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الفساد بكل أنواعه وأشكاله وصوره؛ قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، ولله در ابن عطية الأندلسي حين قال: «وقوله تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} الآيةَ، ألفاظ عامة تتضمن كل إفساد قلّ أو كثر بعد إصلاح قل أو كثر، والقصد بالنهي هو على العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال». وقال تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
وقد أوضح ربنا -تبارك وتعالى- في الكتاب العزيز ونبينا -عليه الصلاة والسلام- في السنة العطرة أن علاج الفساد يكون بقطع وسائله، والتصدي للمفسدين، والأخذ على أيديهم ومنعهم من فسادهم، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، وقال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا, فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان».
ولا ارتياب في أن أي وسيلة لعلاج الفساد لن تكون ذات جدوى ولا نفع إذا لم تجد المؤازرة والتأييد من ولي الأمر، وذلك أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وجهود دولتنا -سددها الله- في هذا الصدد واضحة جلية، ولله الحمد، ولا سيما جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، في ظل قيادةٍ حريصة على رفض الفساد ومحاربته والقضاء عليه، وهي ماضية ومستمرة في ردع كل من تسول له نفسه التعدي على المال العام واستباحة حرمته والعبث به. قال خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله-: «المملكة لا تقبل فسادًا على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أيًّا كان حصانة في قضايا الفساد». وقال سمو ولي عهده -وفقه الله-: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء وزيرًا أو أميرًا أو أيًّا كان، أي أحد تتوافر عليه الأدلة الكافية سيحاسب».