محمد سليمان العنقري
منذ تولي الرئيس الأمريكي ترمب سدة الحكم قبل أربعة أعوام وهو يطلق تصريحات يهاجم بها الصين وعمل على إعادة صياغة اتفاقية جديدة للتجارة بين الدولتين ولا يترك فرصة إلا ويتهم بها الصين بالاستفادة من السوق الأمريكية وبإجحاف كبير لقطاع الأعمال الأمريكي الذي لا يستفيد كثيراً من السوق الصينية، فميزان التبادل التجاري بينهما يميل لصالح الصين بفارق يصل لأكثر من 400 مليار دولار سنوياً وحتى في حملته الانتخابية الحالية يفرد ترمب حديثاً مطولاً عن الصين وأنها المسؤولة عن تفشي وباء كورونا الذي كبد العالم خسائر بالأرواح وكذلك بالاقتصاد العالمي بما يفوق تسعة تريليوناتات دولار مع فقدان عشرات الملايين حول العالم لوظائفهم بسبب الإقفال الكبير والإجراءات الاحترازية حيث يقدر عدد من فقدوا وظائفهم بأكثر من مائة مليون عامل.
ورغم أنه لا يوجد مرشح أمريكي كفته راجحة بشكل واضح واحتمال فوز ترمب أو بايدن شبه متساوٍ إلا أن الصين تنظر إلى أن ما يقوله ترمب لن يكون بعيداً عن منطق وتوجه بايدن لو فاز بالرئاسة فهم يدركون أن أمريكا تستهدفهم لمنع تفوقهم عليها وإزاحتها من مرتبة أكبر اقتصاد عالمي، وهو ما يبدو أنه دفع الصين لتضمّن في خطتها الخمسية رقم 14 أهدافاً تنموية تسعى لتحقيقها حتى عام 2035 م فهي بدأت تكشف عن مسعاها لتحقيق التفوق والريادة العالمية على جميع منافسيها وأولهم أمريكا التي تعمل على خطط عديدة لتحجيم الصين من خلال العمل على إعادة انتشار قواتها العسكرية بمناطق قريبة من الصين، إضافة لإعادة صياغة وتوسيع تحالفاتها لتشمل دول بمناطق جغرافية جديدة خصوصاً في آسيا الوسطى كما تعمل على إعادة الاستقرار للشرق الأوسط وحل كافة الصراعات فيه بالإضافة لتحركاتها في إفريقيا لوقف المد الصيني الذي وصل الى 49 دولة إفريقية من خلال وجود عشرة آلاف شركة صينية فيها.
فالصين من الواضح أنها تتعامل مع أي قيادة أمريكية أنها تملك توجهاً واحداً ضدها ولذلك وضعت خطتها تحت شعار «التداول المزدوج» الذي يعني الاعتماد على النفس والاستفادة من العولمة، فالصين يمثل التصدير قوة كبيرة لها وبنفس الوقت نقطة ضعف لإنه يؤثر بنحو 70 في المائة من ناتجها الإجمالي وهو ما يجعل من أي خلافات تجارية مع أسواق كبيرة مشكلة تؤثر في تنميتها ولذلك فهي ستعمل على رفع دور المستهلك الصيني بالناتج المحلي أي أن تحسناً بالدخل سيطرأ على العمالة الصينية وسيزيد طلبهم على السلع والخدمات مما سيوجد التوازن الذي تريد الوصول له بما لا يجعل اقتصادها يقع تحت رحمة المستوردين لمنتجاتها، فهي تدرك أن المرحلة القادمة معقدة ومليئة بالتحديات مع الغرب عموماً، فالصين باتت هي المستورد الأكبر في العالم للمعادن والأكبر نمواً بالطلب على الطاقة واقتصادها هو الوحيد الذي سيسجل نمواً وإن كان محدوداً بين أكبر اقتصادات العالم هذا العام حيث تأثر الجميع بجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.
إطلاق الصين لخطتها الخمسية والحديث عن أهداف تنموية لخمسة عشر عاماً قادمة وبهذا التوقيت الذي يسبق الانتخابات الأمريكية بأيام قليلة ما هو إلا رسالة لمن سيسكن البيت الأبيض بأنهم متجهون لأهدافهم وسيصلون لها رغم كل التحديات ومحاولات عرقلتها عن بلوغ أهدافها وأن داخلها سيكون هو فرس الرهان في نموها الاقتصادي المقبل وسيبقى وزنها بالتجارة الدولية كما هو وستكمل خطتها بمشروع الحزام والطريق فهذا ما تريد أن توصله للمرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية وأنها مستعدة لكل الاحتمالات.