فهد عبدالله الغانم السبيعي
الأمير الذكي والقوي في نفس الوقت ومعه رجاله الأوفياء لا تمر عليهم ألاعيب وحيل مرتبطة بشبهات فساد متعددة الأوجه، من رشوة أو اختلاس أو تزوير أو غيرها من القضايا الجنائية. ولا تلبث أن تأتي جميعها فوق السطح في فترة قياسية سواء الظاهر أو الباطن منها بعد تضييق الخناق عليها.
أطلق سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في وقت سابق حملته الوطنية لمكافحة الفساد في كافة أنحاء البلاد. ومنذ عام 2017 وحتى اليوم كشفت (نزاهة) حجم التجاوزات في قضايا فساد داخل المملكة فاقت التصور، لكن براعة رجالها ودقة عملهم الدؤوب وبتوجيهات من رئيسهم القدير كان لنزاهة قصب السبق، ونالت دعماً وتشجيعاً غير مسبوقين من ولاة الأمر.
شهد شهر نوفمبر من عام 2017م مفارقة كبرى ونقلة فريدة من نوعها في التوجه بقوة نحو مكامن الفساد وبؤره. ومضت جدية نزاهة في طريقها المحكم دون هوادة أو محاباة. وكانت البداية ضخمة ومفاجئة هي الأولى من نوعها في المملكة، وحققت سبقاً في الكم والكيف فاعتقل عدد كبير من الأشخاص، بسبب عدة تجاوزات قام بها رجال نافذون استعاروا أموالاً من بنوك محلية ولم يتم سدادها، وآخرون استولوا على قطع أراض لمعرفتهم المسبقة أن تلك الأراضي سيرخص لها كمساحات بناء، بعد ارتفاع أسعار هذه الأراضي، باعوها للدولة، واستفادوا من أرباح جنوها من ذلك. ثم قام آخرون ببيع تأشيرات عمل لعمال أجانب ومضوا يأخذون منهم رواتب شهرية دون تقديم أية خدمات في المقابل لهم. وكان هناك الكثير من التجاوزات غير تلك المذكورة آنفاً ومنها تعاملات مالية مشبوهة.
إن محيط ولي العهد والدائرة الضيقة التي تحيط به تعرف ما يدور بخلد سموه وما يصبو الوصول إليه نحو هذه الآفة التي تنخر في جسد الوطن لكي تمزقه إرباً إرباً، فكانت الإجابات أكثر من التساؤلات حول هذا التوجه القويم، فولي العهد الشاب بلا شك لا يملك وقتاً للتفكير عما سيعمل؟ أو ما هو الشيء الذي سوف يتم عمله؟. لكنه يحسم أمره فوراً، ولديه رؤية يريد تحقيقها لا يحب أن يوقفها أو يقف في طريقها شائبة أو ما شابهها لكي يتم خطواته الجبارة نحو رؤية المملكة (2030) الوطنية التي لابد أن يرافقها استقرار سياسي، وهذا موجود ولله الحمد، وتحول وطني يمضي في طريقه بكل ثبات، وأن لا يعكر صفوهما أي شيء آخر لا سمح الله. لذا فخطة ولي العهد التي رسمها بنفسه تؤتي أكلها ولا يشوبها شائبة حتى الآن.
يدرك سمو ولي العهد أن السكوت عن الفاسدين وتركهم طلقاء وعدم ملاحقتهم وترك الحبل على الغارب نحوهم يتنافى مع الآيات الكريمة التي حثت على أن الإسلام جاء آمراً بكل خير للعباد، ناهياً عن كل شر، فأمر بالرحمة والعدل والإحسان، ونهى عن الفساد والظلم والعدوان، وحذر من آثار الفساد والإفساد في الأرض وتقول الآية: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (سورة البقرة: 205).
كما أن سمو ولي العهد يختار بنفسه رجاله الذين يرى فيهم القدرة والكفاءة على تنفيذ بعض السياسات المحلية التي تنتهجها الدولة، فنالوا ثقة سموه وكانوا أهلاً لها فاختار رجلاً نزيهاً هو الأستاذ/ مازن بن إبراهيم الكهموس لقيادة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ورئيساً لها.
في نهاية شهر (أغسطس) من عام 2019م اعتلى الكهموس وبأمر ملكي كريم رأس هرم هذه الهيئة الوطنية (المفخرة) في تحدٍّ جديد ومهمة شاقة مدفوعاً بثقة ملكية بقدراته الشخصية والعلمية والعملية فكان أهلاً لها بلا شك. كيف لا وهناك توجيه ملكي حازم لمواجهة هذه الآفة والحرب عليها، وعلى من يسلكون مسلكها وينغمسون فيها أو يتسترون خلفها من أجل الهروب من الكهموس ونزاهته. وما مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - رعاه الله - (المملكة لا تقبل فساداً على أحد ولا ترضاه لأحد ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا الفساد). هذه إذاً إرادة ملكية تتوافق مع ما جاء في الكتاب والسنة النبوية تجاه جماعات مارقة تستحل لنفسها كل ما حرّمه الإسلام وجرّمه.
أما ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز فلا يبتغي من وراء ذلك إلا شيء واحد يريد تحقيقه لوطنه، وليس رصيداً شخصياً يبحث عنه عندما قال: (الذي يهمنا اليوم أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد، وأقل نسبة فساد في العالم). هذا الدعم من المليك وولي عهده لهيئة نزاهة انعكس على مكانة المملكة العربية السعودية في مدركات الفساد على المستوى الدولي، فقد أحرزت المملكة تقدماً بـ 7 مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد لعام 2019م. وحققت المملكة المركز (51) عالمياً من أصل (180) دولة. وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية لتحقق المركز (العاشر).
إن معركة القضاء على الفساد في المملكة ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض فهي شرسة وتدور رحاها في أكثر من موقع، وفي أماكن متعددة، لأن الفاسدين مختلفين كاختلاف أصابع اليد، بتعدد طرقهم وتنوعها، ولكن يبدو أن كفة الميزان بدأت تميل مؤخراً لصالح (الكهموس) وأفراد جهازه القوي بلا شك. وكانت كلمات سمو ولي العهد التي وجهها لهم لافتة، وتعكس ارتياح الأمير لأداء الرئيس وإنجازات هيئته الساحقة.
«بيّض الله وجيهكم» هذه كلمات قليلة ومعبرة تعني الكثير ولها مغزى ذو دلالات، فهي تشجيع ودعم قويين لمواصلة الإنجازات، والمضي قدماً نحوها بكل ثقة واقتدار. وأتت هذه الكلمات المستحقة بعد العاصفة القوية التي قادها (الكهموس) ضد الفاسدين أو المشتبه بهم سواء أكانوا مواطنين أو مقيمين أعمت أعينهم، وبعثرت أوراقهم، وأربكت ممن حولهم، وأفشلت خطط فسادهم.
عند التمعن فيما تظهره «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد» من بيانات للرأي العام بين وقت وآخر حول شبهات فساد سقط فيها الكثير من الفاسدين من مراكز بعضهم المرموقة أو أقل منها، هذه البيانات التي يتم تداولها بشكل لافت في وسائل التواصل الاجتماعي، كانت أغلب هذه القضايا التي تم معالجتها من قبل الهيئة والتي جاءت أرقامها بالمئات تكشف حجم المتورطين بها كذلك، كان المؤلم في ذلك تنوع بعضها. فظهر الاستغلال للنفوذ الوظيفي والتربح من الوظيفة العامة، وهذا يعد فساداً إدارياً مقيتاً وخيانة للأمانة من قبل أشخاص موكلين بها.
أما الفساد المالي فمتعدد أتت شبهات الرشوة والتزوير والاختلاس المالي وغسيل الأموال والظروف المحيطة بها من استغلال عقود حكومية وموارد جهات حكومية وشراء ذمم للحصول على تسهيلات وغيرها الكثير، لم تغب عن أنظار نزاهة وكشفت كل من كان يدّعي أن قدرته سوف تقوده إلى التخفي والتمويه، وأنه يملك ذكاء خارقاً، ويداً خفية لا يمكن الوصول إليها، لكنه سقط سقوطاً ذريعاً وخاب حدسه ووقع بين أحضان الهيئة الدافئ بأعماله المستطيرة.