رمضان جريدي العنزي
الهياط أصبح لدى البعض عادة لا يمكن الانفكاك منها، صار جزءاً منه، وحاجة ضرورية عنده، مثل حاجة المأكل والمشرب والملبس، يمارسه بكل بساطة وسهولة وثقة، الهياط أصبح منتشراً هذه الأيام بين طبقات المجتمع المختلفة كأنه وباء لا علاج له، بشقيه الأنثوي والذكوري. إن الهياط بوابة الشرور، والمفاسد والنفور، وهو آفة ذميمة، وخصلة وخيمة، تسقط قدر الإنسان، وترديه إلى الهوان، الهياط ما كان في شيء إلا وأفسده، ولا حديث إلا وأنقصه، ولا موقف إلا وكسره، ولا في وجه إلا وأذهب حياءه، ولا في مال إلا وأذهب بركته، هو عادة سيئة، وسلوك غير قويم، ومسرحية عبثية، وحركات بهلوانية، وصاحبه مهرِّج يملأ وجهه بالمساحيق الملونة الكثيفة، وأسماله رثة وشبه بالية. لقد أصبح الهياط عند البعض ثقافة ودهاء وذكاء وفهلوة، وطريقاً سريعاً للحصول على المبتغيات والمرادات. إن المهايط يقلب الحقائق، فيجعل البعيد قريباً، والقريب بعيداً، والجمال قبحاً، والقبح جمالاً، واللا شيء شيئاً. لقد صار الهياط مهنة دنيئة، وخلة سيئة، ومعاملة رديئة، والمهايط أصبح مثل صاحب الدعاية الفاشلة يروِّج لسلعة منتهية الصلاحية، تحت شعار الكذب والتمويه. إن المهايط متلوِّن يهز الوجدان بكلامه، لكن من غير فعل ولا مصداقية ولا ثبات، هو مثل اللص يسرق العقل كما يسرق اللص المال. إن للهياط صوراً شتى لكنها كلها قبيحة وشنيعة وغير مقبولة لدى كل عاقل حصيف لبيب، وللمهايط مبالغات في المدح والإطراء، وغلو في الطرح، وكذب في التصوير، وتضخيم في المحامد، وزور في التزكية، له مواقف محرجة وتذلّل وخلل. لقد انتشر المهايطون في كل مكان وزمان، وأخذوا يتوالدون بكثرة مثل دود الأرض، لهم أحجام وأطوال ووجوه مختلفة وألسنة متعددة، يوجدون في الاحتفالات والمناسبات، ويحبون أن يكونوا على المنصات، ويتسابقون على المايكرفونات، و(يتميلحون) أمام عدسات الكاميرات وفلاشات التصوير، لينفثوا سموم هياطهم الكثيف، بلا عقل ولا وعي ولا حكمة ولا بصيرة. إنهم خراب المجتمع هده وهدمه، بهتهم بائن، وشرهم مستطير، لا يحفظون ألسنتهم من الكذب، ولا يأبهون لضمائرهم، لا هم قدوات حسنة لمن خلفهم، ولا عندهم صدق في الحديث والسرد والكلام، هم مثل المرتزقة الذين يعيشون على نشر الترهات والأكاذيب ليحصلوا على قوت يومهم وسد رمقهم. إن المهايطين يعيشون الإفلاس كله، وسيموتون مفلسين كما تموت الشاة، وكما يموت البعير.