محمد آل الشيخ
هذا سؤال كثيراً ما أتلقاه من إخواننا العرب وغير العرب ومؤداه: لماذا لا تتصالحون مع إيران؟.. في البداية أود أن أشير إلى أنني على قناعة تامة أن (السياسة فن الممكن)، ولم تكن قط ما يجب أن يكون. كما أن الدول في كل العصور لا يمكن أن تختار جيرانها، ولا سياسات جيرانها أيضا؛ المشكلة إذا كان هذا الجار ينطلق من منطلقات (كهنوتية دينية)، ويعتبر أن إيذاءك والنيل من سيادتك، فضلاً عن ابتلاعك، من متطلبات شريعته؛ عندها يصبح الصلح معه يعني الإذعان له، والتفريط بسيادتك واستقلالك. الإيرانيون يؤمنون أن الذي يتربع على عرش السلطة في بلادهم هو من (ينوب) عن المهدي المنتظر، الذي سيظهر في آخر الزمان من الغار الذي يعيش فيه منذ اختفائه قبل قرابة الألف وثلاثمائة سنة، ويتولى القيادة السياسية، وأن الولي الفقيه الحالي هو نائب له، فوض له جميع سلطاته، وبالتالي فإن سلطته فوق أي سلطة، وسياساته (ربانية)، وكل من يختلف معه، فضلاً عن أن يعاديه، فهو يختلف مع الله. وهذا التصور المغرق في الخرافة هو ثابت من ثوابتهم التي لا يحيدون عنها قيد أنملة؛ ربما أنهم يموهون، ويناورون، لكن هذا هو هدفهم النهائي - كما ينص دستورهم؛ لذلك فإن تصدير الثورة الخمينية إلى كل أصقاع الأرض، وبالذات الدول السنية هو واجب ديني التراجع عنه عصيان لمقتضيات دينهم.
أمام هذا الواقع، كيف بالله تريدوننا أن نتصالح مع هذه الدولة، ونحافظ على سيادتنا واستقلالنا؟
أعرف يقيناً أن إيران ليس أمامها إلا طريقين: إما أنها تصر على تنفيذ نصوص دستورها، وستفشل وبالتالي تتلاشى وتفنى، أو أنها ستجد يوما ما أن بقاءها يفرض عليها أن تواكب متطلبات العصر، ومتطلبات البقاء، وتلغي هذه المواد من دستورها غير العقلاني وغير المعقول، وتؤسس دستورا عصريا، يسمح لها أن تتعايش ليس فقط مع جيرانها، بل ومع العالم أجمع؛ وعندما يصل الإيرانيون إلى هذه القناعة عندها يكون بإمكاننا أن نجلس وإياهم على طاولة الحوار ونتفاوض؛ وأنا على يقين أننا حينها سنحل كل خلافاتنا ونتصالح على أساس واقعي وليس خرافي..
إيران بهذا الدستور دولة شريرة عدوانية، لا تدخل إلى بلاد إلا ويحل فيه الفساد والخراب وانعدام الأمن والاستقرار؛ انظر مثلا إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن، كل هذه الدول ترتبط مع الحكومة الإيرانية بوشائج وعلاقات سياسية متينة، ولكنها في الوقت نفسه ينخر فيها الفساد والمفسدون، ويكتنفها الفشل الاقتصادي والاجتماعي، وتفتقر إلى استتباب الأمن والاستقرار، وليس لدي أدنى شك أن ما وصلت إليه هذه الدول من فشل في كافة المجالات الحيوية قد خطط له بليل بهيم لتكون كذلك؛ بمعنى أن ملالي إيران قد دفعوها دفعا إلى هذا الوضع الفاشل، ليتسنى لهم السيطرة وبسط سيادتهم عليها، ومصادرة استقلالها؛ فلا يمكن البتة أن أقتنع أن هذا الفشل لم يكن لملالي إيران القدح المعلى في صناعته أولاً، ومن ثم تكريسه وحياكته على واقع تلك الدول.
وأكررها ثانية إيران ستبقى جارتنا، ولكنها بأوضاعها وأطماعها الحالية لن تجد لدينا إلا العداء، حتى لو طال صراعنا معها لمائة سنة.
إلى اللقاء