عبده الأسمري
الإنسان مجموعة من الملكات والقدرات والمواهب والمهارات تظل في الجزء الخفي من النفس وتبقى في الحيز المخفي من الروح ما لم يتم اكتشافها الأمر الذي يجعلها كنزا غير مكتشف فتأتي «الصدفة» ويحل «الحظ» وتتدخل «المواقف» وتولد «الفرص» حتى تظهر هذه الجواهر المحجوزة بأمر «الجمود» والمختفية بواقع «الصدود» والمتأخرة بسبب «التقاعس»..
يأتي الإبداع كعملية لاحقة تعقب «النجاح» المقسوم على حظوظ متساوية أو متقاربة بين البشر سواء في الأعمال أو الإنجازات أو الاختراعات أو المنافسات.. ليشكل قيمة إضافية تصنع «الفارق» وتوظف «الفرق» بين الناجحين ليتم توزيع «غنائم» المراكز في وقت تطغى فيه السلطة الإبداعية في خط السباق الأخير..
يجهل الإنسان أسرارا كثيرة في «خزائن» ذاته ويطلق يومياً آلاف الأساليب من التفكير نحو «مسائل» هامشية في الحياة قد تدور ثلاثة أرباعها نحو الآخرين وتتجه معظم أبعادها نحو الغير في حين يتشكل «التركيز» كثيراً في مساحات «المستقبل» المقترنة بتوجس وخيفة وحذر تلغي وتطمس كل إمعان في سبر مكونات النفس واستخراج مكنونات الذات.
في سجلات المبدعين قصص خفية ووقائع جلية كانت أدوات أولى للركض المستديم في مضمار الإبداع وسط «ظروف» تبدلت إلى وقود رحلة الثبات و»عوائق» تحولت إلى قوى صنعت الإثبات في واقع لا يعترف إلا بالحقائق حتى وإن جاء الزيف الإنساني ليصنع الوهم ويعلي الفاشلين أو يسقط المتميزين إلا أن العبرة بالنتائج وإن غيبتها أكاذيب «الواهمين» أو ألاعيب «المتوهمين».
لم تقف الإعاقة حائلاً أمام صناعة الإنجاز لمبدعين كانوا مثار دهشة جعلت الأصحاء يتوارون خلف حواجز الخجل.. ولم تمنع الأزمات المسكونين بالهمم من قلب طاولة «المشكلات» وصياغة الغد بتفاصيل جديدة عنوانها الطموح.
عندما يجهل الإنسان بأسرار ذاته وقوى نفسه فإنه يتحول إلى «كائن» خامل يعيش في قلب «الاستهلاك» ويقبع في قالب «المصالح» لتطغى أنانيته على دافعيته فيمضي قطار العمر وهو رقم هامشي لا تقبله «منازلة» التنافس ولا تتقبله «معادلة» الحراك فيظل في مستوى ثابت من التفكير ومن التأثير.. لتتجاوزه الأجيال وتتعداه المراحل وقد يأتي عليه وقت فيدخل في متاهات الندم ويتوغل في سراديب التأنيب على ضياع حياته في قبو الجهل.
يرتهن الكثير إلى الدراسة والشهادات العليا ولكنهم يغفلون أن في النفس جزءا لم يكتشف ومجالا لم يستوعب وهي تلك المواهب المدفونة في دهاليز الذات.. الخاضعة لسلطة «التفكر» وسلطنة «التدبر» وعلى الإنسان أن يتذكر قول الله تعالى {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، ليعلم أن التبصر منهاج مطلوب للغوص في أعماق الإنسان للاكتشاف المقترن بالإنجاز المنتظر..
يجب التوازن بين التعليم والتعلم والاقتران بين الدراسة والحرفية للوصول إلى «اكتمال» الإبداع فهنالك عقول تخطط خارج «صندوق» الشهادات وبعض الأفكار الكبرى انطلقت من مواقف في الحياة ومعظم الإنجازات انبثقت من «سقطات» استثمرت لتحويل الإحباط إلى «تحدي» صنع النجاح ثم التفوق.
بعض الأعمال الأدبية التي عانقت العالمية ولدت من رحم المعاناة وهنالك أدباء ومثقفون نالوا جوائز كبرى كانوا في صغرهم «عمالا» و»كادحين» و»فقراء» و»مهمشين» ولكنهم حولوا «التجارب» إلى «مشارب» أنتجت الرواية والقصة والشعر والنقد والتأليف وعندما استقر الحال بهم لم يغفلوا جانب العلم بل استعانوا بالتميز في خدمة التعلم فنالوا الشهادات ومنحوا التقديرات.
معظم العلماء كانوا يسايرون أحلامهم «صغاراً» ويرافقون آمالهم «أطفالاً» فتفننوا في مواصلة دراساتهم ولكنهم كانوا في محفل آخر وهو القراءة والبحث والاطلاع فلم يعتمدوا على التلقين والنظريات ولكنهم برعوا في التحليل الذي كان ملكة خاصة تعتمر دواخلهم فرسموا الإبداع في أبهى حلة والإمتاع في أزهى مشهد. عدد من نالوا المناصب كانوا مرافقين لمسؤولين ومراقبين لإنتاجات وخطط ودراسات لم يظلوا مكانهم ولم يقبعوا في نقطة المشاهدة ولكنهم أطلقوا العنان لأمنياتهم وفلتوا من «عقال «الروتين» واستسقوا الخبرات وشاركوا بالأفكار فاكتشفت جوانب من إضاءات عقولهم كانت في جانب مظلم من النفس.
عدد من الحرفيين ومن المهنيين كانوا مساعدين لأصحاب المهن الرئيسيين تمكنوا من استغلال موهبة التفكير وتوظيف مهارة التطوير فتجاوزوا مكان «المهمة» إلى رؤية القمة فتفوقوا على معلميهم وتحولوا من التلمذة المؤقتة إلى الأستاذية الدائمة.
صناعة الإبداع تنطلق من النفس وتنبثق من الذات متى ما تكاملت الأمنيات وتماثلت الطموحات لتكوين «هرم» التأثير وتشكيل «معاني» الأثر.