رجاء العتيبي
هل تشكّلت عند عرب العصر الجاهلي ملامح مسرحية؟ أم بقي ذلك غائباً عن أذهانهم؟ هل تغيّر الحال مع مجيء الإسلام؟ هل تولّدت ظاهرة درامية جديدة؟ وإلى أي مدى اتفقت واختلفت الآراء حول وجود مسرح من عدمه في الثقافة العربية؟ أسئلة جوهرية تحتاج إلى إجابات وافية.
كثير من الآراء التي تناولت هذه القضية، تناولتها من منطلق عاطفي، تريد أن تثبت (المسرح) في حياة العرب، حتى لو مجرد ظواهر كالقصص والحكايات وخيال الظل ومواكب الخفاء.
الأديب والباحث علي عقلة عرسان أحد أولئك الذين بالغوا في تأكيد وجود المسرح عند العرب منذ العصر الجاهلي، وكأن غيابه انتقاص من ثقافتنا.
يبدأ عُرسان في كتابه (الظواهر المسرحية عند العرب) رصد ملامح المسرح في العصر الجاهلي فيبدأ بالطقوس الدينية، مثل: طواف الناس حول الكعبة، مستشهداً بقوله تعالى في سورة الأنفال، الآية 35: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} ورصد احتفالاتهم الدنيوية، مثل المنافرة التي يفتخر فيها الرجلان بما يملكان من مكارم وخصال بحضور حَكَم وجمع من الناس من القبيلتين.
وراح عُرسان يكتب منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل على شكل نص مسرحي إمعاناً في تأكيدها على أنها مسرحية واستماتة في إثبات وجود مسرح في العصر الجاهلي.
وجاءت المنافرة في كتابه على النحو الآتي:
منافرة عامر وعلقمة
المشهد الأول
(المنظر قرب البيوت)
عامر: لم أرَ كاليوم عورة رجل أقبح.
علقمة: أما والله ما تثب على جاراتها، ولا تنال كنّاتها.
عامر: وما أنت والفروم، والله لفرس أبي «حنوة» أذكر من أبيك، ولفحل أبي « غيهب» أعظم ذكراً. من أبيك في نجد.
علقمة: أما فرسكم فعارة، وأما فحلكم فغدرة، ولكن إن شئت نافرتك.
عامر: قد شئت والله لأنا أكرم منك نسباً، وأثبت منك نسباً، وأطول منك قصباً.
علقمة: لأنا خير منك ليلاً ونهاراً».
وهكذا يستمر في كتابة بقية المنافرة على شكل نص مسرحي: مشاهد، ومناظر، وحوارات، وإرشادات مسرحية على مدى 11 صفحة. ولا نعلم ما نوع العمل البحثي الذي يقوم به عرسان! ذلك أن هذا النوع من الكتابة (المتخيّلة) ربما توهم البعض بأن هناك نصاً مسرحياً مكتملاً في العصر الجاهلي.