د. حسن بن فهد الهويمل
اعتدنا عند كل سباق انتخابي إلى (البيت الأبيض) توجيه كل الانتباه إلى المتداول في المشهد السياسي. وقد يبلغ الاهتمام شأوه فتبدأ التكهنات, واستفتاء المتنبئين, والضاربين بالحصى. بل قد يتدخل السحر, والتنجيم في تحديد الفائز في الانتخابات.
رهانات تطيش فيها الأقلام على مائدة السياسة, وسباق محموم في سبيل التكهنات لا نظير لها, مع أن العائد ضئيل, فالسياسة الأمريكية ملة واحدة, وإن اختلف الرؤساء.
هناك تأثير ضئيل جداً, يتعلق بشخص الرئيس, ولكنه لا يكون خطيراً إلى حد الإثارة. للرئيس المنتخب تأثير يتعلق بـ(كارزميته), وفي إعجاب المواطن به.
السياسة الأمريكية, سياسة مؤسسات, و(استراتيجيات) بعيدة الأمد. لها صداقات, والتزامات, وعهود, ومواثيق, قد تتأثر باضطراب المصالح, ولكنها تظل ملتزمة بأدنى حد من الوفاء.
علاقة (المملكة العربية السعودية) بأمريكا علاقة متينة, وعريقة, وإن شابها, ما شابها في ظل التحولات الجذرية, طالت المشرق العربي, وقد يبدو الجزر, والمد في بعض مساراتها.
سياسة الشرق الأوسط الجديد. مست كثيراً من الثوابت, وأخافت الجميع, بما فيها الشرق, والغرب المتسلطان على ثوابت الأمة.
المتابع للشارع السياسي زمن السباق الرئاسي, تروعه الخطابات المتشنجة, والموغلة في الغرائبيات.
إذ في كل حملة انتخابية (ثلاثة خطابات).
- الأول (خطاب الترشيح), وهذا خطاب متفلت على كل القيم, يقال فيه من الشتم, والذم, والتجهيل, والتقليل من قيمة المنافس ما لا يتصوره عقل.
هذا الخطاب يركز على المرشحين من قبل أحزابهم, فإذا انتهت هذه المرحلة, وعرف المرشح جاء:
- الخطاب الثاني مشحوناً بالوعود الكاذبة لكافة الأقليات: اليهود, والسود, ورجال الأعمال, وكافة التكتلات العرقية, والدينية, والحزبية. إنه خطاب مشحون بالتملق, والتزلف, والاستجداء.
وإذا انتهت جولات الترشيح, والانتخاب, وتحدد الرئيس.
- جاء الخطاب الثالث, خطاب العقل, والتروي, والتنصل من كل ما سبق, إنه (خطاب التنصيب) الموكَّلُ بغسل كل الأوضار.
الغريب أن كل المتابعين متوترون خائفون, ورهاناتهم في تغير السياسة, وتقلب الأمور, وهو ما لا يكون عبر كل الفترات الرئاسية.
المؤكد أن الأوضاع لا تبشر بخير, وأن العالم يسارع الخطو في سبل التغيير إلى الأسوأ, ولكن تظل السياسة الأمريكية محكومة بمؤسسات عريقة المعرفة, غنية التجربة. تملي إرادتها على الرئيس, لا أقول بأنه كملك, أو ملكة بريطانيا حامل أختام.
كما لا أقول بأنه مستبد, حاكم بأمره. الحق أن له مساحات واسعة, ولكنها ليست مطلقة.
مجلس الشيوخ الأعلى, ومجلس النواب الأدنى, وكلاهما في مبنى (الكونغرس). المجلس الأعلى يتحكم بالمعاهدات, والاتفاقيات, والقرارات المهمة.
فالرئيس لا يتخذ القرارات بمعزل عن المجالس النيابية, بل تراه في بعض أحواله يتملق, ويتوسل, ويبحث عن المساندين, والوسطاء, لتعزيز رؤيته.
أمريكا تتزعم الغرب, والشرق في تصريف أمور العالم, وكل فتنة وراءها قرار خفي. الفتن خفية, وغير مستقرة, وكلما خبت نارها, زادوها سعيراً. ويبقى الوضع في أمريكا مهماً لحفظ التوازن, وإدارة اللعب. هذا الإيذاء, والنفع معاً ليسا مرتبطين بذات الرئيس, وليس في مقدوره الأخذ بالمثاليات, إنه قائد القطار, وقبطان السفينة, ولكن المدبر على الأرض, يوجه القادة, وفي السماء غرف العمليات.
قوة أمريكا, ونفوذها لا يمكنانها من الاستبداد, ولا من السلامة, هي لاعبة, وقد يُلْعبُ عليها, وما كل حساب يأتي على رغبة الحاسب, إلا أسرع الحاسبين.
كثير من الرهانات تُزَايدُ على مصلحة (المملكة العربية السعودية) مع من تكون. مع ( ترامب) أَم مع منافسه ( بايدن).
والحق أن مصلحتها في سياساتها المتوازنة, سياسة الدفع, أو الاستمالة, والاحتواء, وصناعة الأصدقاء.
وفوق الكل لطيف خبير: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ}.