أ.د.عثمان بن صالح العامر
ما جرى من قبل وما يجري اليوم في فرنسا بالذات وعلى وجه الخصوص من قبل الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) شخصياً من إساءات لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحداث التي صاحبت هذا المنزع المشين، والآثار المترتبة عليه، يجب أن يستقر بالأذهان، وأن يتغلغل في الوجدان أن الله جلَّ جلاله كما نصره وهو حي ناصره عليه الصلاة والسلام بعد موته {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}، وأن الله كما عصمه من كيد الكائدين ومكر الماكرين في حياته، عاصمه بعد موته {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، كما أن الرب سبحانه وتعالى كفاه وسيكيفه أمر كل من أذاه وتطاول عليه وأراد النيل منه، مصداق ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (كل مبغض وذام ومنتقص من النبي صلى الله عليه وسلم فهو مقطوع من كل خير). ويقول شيخ الإسلام (ابن تيمية) -رحمه الله - في كتابه (الصارم المسلول): (وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للأكاسرة ملك وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه عليه الصلاة والسلام فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره). ويقول -رحمه الله- أيضاً في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح): (ومن المعروف المشهور المجرَّب عند عساكر المسلمين بالشام إذا حاصروا بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسّر عليهم فتح الحصن، ويطول الحصار إلى أن يسب العدو الرسول صلى الله عليه وسلم فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن وانتقام الله من العدو، فإنه يكون ذلك قريباً كما قد جرّبه المسلمون غير مرة تحقيقاً لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، ولما مزق كسرى كتابه مزق الله ملك الأكاسرة كل ممزق، ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم ملكهم). وفي ذات الوقت فإن إيذاء الرسول بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام هو ابتلاء للمؤمنين به، المصدقين برسالته، العارفين فضله عليهم، ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى، لينظر الرب عزََّ وجلَّ قدر مقامه في النفوس، ومن يفعلون في المستهزئين به عليه الصلاة والسلام. والمتابع لردود الفعل منذ تجرؤ (ماكرون) على المقام المحمدي عليه الصلاة والسلام يلحظ حملة إسلامية واسعة تندِّد بهذا الصنيع، وتعلن ماطعة البضائع والمنتجات الفرنسية، وتطالب بحذف الصور المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهناك من نشر مقاطع فيديو بلغات عالمية تدين وتبيِّن موقف العلمانية الفرنسية من الإسلام كدين بعيداً عن الصراعات السياسية ومواجهة الإسلام السياسي الموجود هناك، فالاستهزاء يدل على رؤيتهم للدين الإسلامي، وهذا المسلك برهان قاطع عن أن الحرية الدينية، واحترام الرأي الآخر، والتعايش المجتمعي، وعدم تدخل الدولة في الحياة الشخصية، والمفاضلة بين الأديان فهي جميعاً على قدم المساواة في ظل العلمانية مجرد كلام للاستهلاك. وهناك من ترجم كل هذا الزخم من الكتابات الرصينة المتزنة إلى الفرنسية والإنجليزية مما سيكون له الأثر الإيجابي لوصول حقيقة الإسلام إلى كل بيت هناك.
دمتم بخير، وإلى لقاء، والسلام.