الهادي التليلي
في زمن الكورونا حصد العلماء والمفكرون الذين اختارتهم الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم بعد الإعلان عن نتائج جائزة نوبل ملايين الكورونات (ونقصد هنا العملة السويدية)، هذه الجائزة التي عانت هذا العام عُسرًا في الولادة نظرًا لما أصاب العالم جراء جائحة كورونا، الأمر الذي جعل خبر تأجيلها المتداول بين مختلف وسائل الإعلام أقرب للتصديق منه للتكذيب، ولكن عندما جاء شهر أكتوبر وفيًا لعادته في الإعلان عن نتائج هذا العام جعل إلغاء دورة 2018 سحابة عابرة، وإن كان البعض يرى بأن حرص الأطراف الساهرة على الجائزة على أن تكون نتائج هذا العام في الموعد يعود إلى الخشية على هذه الجائزة من الأفول بعد فضيحة 2018 المذكورة، وما يتردد داخل الكواليس من حرب مصالح وفضائح ظهرت للعلن وهزَّت العرش العلمي والأخلاقي للجائزة.
نوبل تستمر، وهذه الجوائز التي ستسلم في شهر ديسمبر شهدت تنافسًا كبيرًا، حيث تم ترشيح 318 مترشحًا منها 210 من الأفراد و107 من المنظمات على ست جوائز هي الأدب والطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد والسلام، علمًا بأن القيمة المالية لكل جائزة 10 ملايين كورونا سويدية.
ففي مجال الطب فاز البريطاني مايكل هوتن والأمريكيان هارفي التر وتشارلز رايس، وذلك لنجاحاتهم العلمية في اكتشاف فيروس الكبد سي C، حيث حدد التر النوع الثالث من التهاب الكبد الفيروسي، وتمكَّن هيوتن من عزله، فيما قام رايس بتقديم الدليل النهائي على وجوده، ورأت اللجنة أن ما قام به الثلاثي يعدُّ ثورة طبية، إذ يعاني 70 مليون شخص من البشرية من حالة معروفة بهذا النوع، ويموت أكثر من 400 ألف حالة سنوياً.
وفي الفيزياء فاز الثلاثي بنروز من بريطانيا ورينهارت جينزل من ألمانيا وأندريا جيز من أمريكا مكافأة على أبحاثهم، حيث حصد البريطاني بنروز نصف الجائزة لاكتشافه أن تكوين الثقب الأسود هو تنبؤ مهم للنظرية النسبية العامة, فيما اقتسم النصف الثاني من الجائزة جينزل وجيز لاكتشافهما جرمًا ضخمًا شديد الكثافة في مجرتنا.
وفي الكيمياء فازت الفرنسية شارنتيه والأمريكية داودنا لتطوير مقصات جزئية قادرة على تعديل الجينات البشرية، واعتبرت اللجنة المقصر الجيني كريسبر أداة لإعادة صوغ قانون الحياة مما يسهم في علاج السرطان، معتبرة أن هذا الفتح العلمي يحقق حلم التغلب على الأمراض الوراثية.
وفي الأدب فازت الشاعرة الأمريكية لويز غلوك أستاذة الأدب الأنجليزي بجامعة يال تقديرًا لصوتها الشعري المتميز الذي يحول لعذوبته الوجود الفردي إلى عالمي، تبرير إسناد الجائزة فاجأ حتى الشاعرة نفسها حيث قال ماتس مالم أحد أعضاء اللجنة: كانت مندهشة وسعيدة ومعلوم أن لويس غلوك وعمرها 77 عامًا نشرت أول مجموعة شعرية لها سنة 1968 بعنوان «الولادة الأولى» وتعد مجموعتها «أفيرنو» الأكثر نجاحًا، وقبل حصولها على نوبل للآداب حصدت ميدالية العلوم الإنسانية الأمريكية من أوباما سنة 2015 وجائزة بوليتز عن مجموعتها ذي وايلد أيريس وفي 2014، نالت جائزة ناشيونال بوك أوارد.. لويز غلوك خلفت الروائي النمساوي بيتر هندكه عبرت عن فخرها بتشريف بلدها وكذلك جنسها حيث تعد المرأة رقم 16 التي تفوز بنوبل للآداب في حين فاز بهذه الجائزة 101 رجل
علمًا أن الترشيحات يقوم بها الشخصيات والمنظمات الأدبية والعلمية والسياسية لنيل هذه الجائزة، ففي المجالات العلمية، أي الطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد يقوم كل من اللجنة المنظمة والأساتذة المعتمدين من الجامعات الإسكندنافية المعروفة وبعض الشخصيات العلمية المشهود لها وشخصيات سبق لها أن فازت سابقًا بالجائزة، وفي مجال السلام فاز برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام 2020، ولم يكن هذا مفاجئًا خاصة بعد أن خلخلت كورونا منافسها المنظمة العالمية للصحة برنامج الأغذية العالمي حقق نجاحًا كبيرًا ولم يكن فوزه مفاجئاً علماً أنه في ما يخص نوبل للسلام فيمكن لأي عضو من أعضاء الحكومات أو المحاكم الدولية وأساتذة جامعيين في مجالات العلوم الاجتماعية والتاريخ والفلسفة والحقوق والعلوم الدينية ورؤساء معاهد البحث المختصة في السلام وغيرها ترشيح من يرونه جديرًا ومن ثمة التفسير واضح لنجاح هذا البرنامج دون سواه.
تم الإعلان عن الفائزين وغلق ملف التكهنات لجائزة نوبل التي انتصرت للنساء في هذه الدورة ورسخت القلاع القديمة والمكرورة في الفوز بهذه الجوائز مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا مما يزيد من شكوك المشككين حول مصداقيتها وتأثير القوى الكبرى على نتائجها، فكأن هذه الجائزة خارج زمن كورونا والتي شهدت جهود كيانات ودول كانت جديرة بنوبل للسلام، فما الفرق بين هذه الجائزة وغيرها من السنوات الخوالي، إنها بلا طعم ولا رائحة لعصرها كما قال بعضهم محاولة إلهاء المتابعين في المنافسة بين الرجل والمرأة والحال أن البشرية على مشارف هاوية كورونا.
نوبل التي كانت وستبقى جدارتها مشبوهة لدى الكثيرين وحجتهم أنه قبل هذه الدورة من 851 فائزًا بالجائزة نجد 4 بلدان فقط استأثرت لوحدها بـ647 فائزاً، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وألمانيا، إضافة إلى لائحتها التي في حاجة للمراجعة إذ تفتح الباب على مجالات تدخل من القوى العظمى مما يجعل النتائج أحيانًا تكون على المقاس.
ولو نظرنا إلى مرآة عالمنا العربي فنشعر بمرارة كبيرة حيث هذا العام لم ينجح أحد، ولو عدنا للتاريخ نجد هزال المحصلة، ففي مجال نوبل للسلام حصل محمد أنور السادات على الجائزة بعد توقيعه كامب ديفد، وياسر عرفات بعد توقيعه معاهدة أوسلو، ومحمد البرادعي والناشطة اليمنية توكل كرمان والرباعي التونسي الراعي للحوار، وبالندرة نفسها كان حصاد باقي المجالات حيث اقتصرت قوائم الفائزين العرب على أحمد زويل في الكيمياء ونجيب محفوظ في الأدب.
كما قلنا ونعيد العالم يحتاج إلى جائزة أكثر موضوعية بحيث لا تكون حصراً على مؤسسة من بلدين متجاورين ولجان التحكيم متفرقة هنا وهناك، يحتاج إلى جائزة تكون أكثر شفافية سواء في آلية اختيارها أو في معايير تقييمها، فمن غير المعقول عضو ما في حكومة ما هكذا يقوم بترشيح شخص ما للجائزة وقس على ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان يدور بخلد الفريد نوبل مخترع الديناميت المادة التي وجهت لغير ما أريد لها أن جائزة نوبل التي أوصى بها بوثيقة في سنة 1895 اعتذاراً منه للبشرية ستسير على غير ما سطر لها وتكون حصراً على نادٍ معين من البلدان ذات التأثير؟