د.عبدالله بن موسى الطاير
مسقط رأس الديمقراطية الأمريكية، مدينة فيلادلفيا، في ولاية بنسلفانيا، قد يدفع بأمريكا إلى «أزمة سياسية تاريخية»، في ظل تأرجح الولاية بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتصريحات مشككة من الرئيس ترامب في نزاهة الانتخابات، وتسميته «لشيء سيئ» حدث في هذه المدنية قبل عدة أسابيع، ودعوته قاعدته الانتخابية لمراقبة عملية التصويت والفرز بأنفسهم.
دفعت هذه التعليقات المدعي العام في فيلادلفيا، إلى دراسة القوانين التي تحكم الميليشيات، في حالة «ظهور متطرفين مسلحين عند صناديق الاقتراع لترويع الناخبين». وحذَّر من يفعل ذلك بوجود زنزانة جاهزة له. نحن لا نتحدث عن مليشيات حزب الله، ولا الحشد الشعبي ولا الحوثي، وإنما عن مليشيات أمريكية يتوقّع أن تحمل أسلحتها لتهديد الناخبين الأمريكيين يوم 3 نوفمبر القادم. في هذه الولايات التي تتجه إليها الأنظار يقوم تجار التجزئة «بتدعيم الزجاج الخارجي لمحلاتهم، أو استئجار حراس إضافيين، أو الاحتفاظ بفرق تحت الطلب تقوم بتحصين المباني وملحقاتها، و»يقوم المواطنون من جميع الأطياف السياسية باقتناء الأسلحة والذخيرة بأعداد قياسية»، حسب تقرير لرويترز.
يخوض الرئيس ترامب معركة البقاء في البيت الأبيض في وسط توقعات تفضل منافسه جون بايدن، كان آخرها حصول بايدن على تفضيل 53 % من المشاهدين للمناظرة الأخيرة مقابل 39 % لترامب وذلك وفق استطلاع للرأي أجرته قناة CNN المنحازة للديمقراطيين، في حين لم تقدم وسائل الإعلام اليمينية مثل فوكس نيوز وول ستريت جورنال أي إحصاءات عن الفائز في مناظرة انخفض عدد المشاهدين لها من 73 مليون في المناظرة الأولى إلى 63 مليون مشاهد.
لا يبدو أن الرئيس مشغول كثيراً بإمكانية سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس بمجلسيه، لكن الحزب الجمهوريين يعيش مخاوف فقدان سيطرتهم على مجلس الشيوخ، ويحاول بعضهم النأي بأنفسهم عن أجندة الرئيس وخطابه الاستفزازي. فوز الرئيس بولاية ثانية مقابل سيطرة الديمقراطيين على الشيوخ والنواب سيقيد حركته في فترته الثانية وربما يحاكم مرة أخرى. ويؤكد المراقبون للانتخابات الأمريكية أن الديمقراطيين لديهم فرص جيدة للفوز بأغلبية في مجلس الشيوخ، أما سيطرتهم على مجلس النواب فليست موضع شك.
وقبل 11 يوماً من يوم الانتخابات أدلى أكثر من 54 مليون أمريكي بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهي «وتيرة قد تؤدي إلى أعلى نسبة مشاركة للناخبين منذ أكثر من قرن»، مقابل 47 مليوناً من نفس الفئة في انتخابات 2016، وقد يزيد هذا الرقم فيما بقي من أيام ليسجل رقماً قياسياً للناخبين المبكرين. وتقدر بعض المصادر عدد الناخبين المؤهلين لعام 2020 بنحو 239 مليون ناخب، صوَّت منهم في انتخابات 2016 حوالي 137 مليوناً أي بنسبة (60 %)، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع.
وفي ظل المخاوف التي يروِّجها الجمهوريون وأولهم الرئيس من حدوث فساد في عملية التصويت أو الفرز، تحدث كريبس وكين كوتشينيلي، نائب وزير الأمن الداخلي بالإنابة، إلى الصحفيين، موضحاً «إنه مع الإدلاء بعشرات الملايين من الأصوات بالفعل، لا توجد علامة على أي تدخل أجنبي، على عكس عام 2016». ومع ذلك، يتحدث مسؤولون آخرون عن محاولات لتعطيل الانتخابات، مصدرها إيران وروسيا. ولا أظن أن الانتخابات الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت بعيدة عن المحاولات الأجنبية للتأثير عليها إما عن طريق عوامل خارجية كاحتجاز الرهائن الأمريكيين كما حصل في انتخابات 1980 عندما كان الحرس الثوري يحتجز العشرات من الدبلوماسيين الأمريكيين في سفارة بلادهم في طهران، أو عن طريق أدوات العمل الجاسوسي الموجه للداخل الأمريكي من الأصدقاء والمنافسين على حد سواء.
واستعداداً لإعلان نتائج قد يتأخر أسابيع ويصل إلى المحكمة فإن المسؤولين عن حملتي الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن تجمعان «جيوشًا من المحامين الأقوياء لاحتمال أن يتم تحديد السباق على البيت الأبيض ليس في صناديق الاقتراع ولكن في المحكمة». ولن يؤثِّر هكذا إجراء على الداخل الأمريكي فقد حدث ذلك عام 2000م بسبب فلوريدا، ولكن حالة الانقسام الحادة، والخطاب الانفعالي للرئيس ربما يثيران حالة القلق والترقب ويدفعان بشارع مسلح بمختلف أنواع الأسلحة إلى صدام يأمل الطامحون إلى السلطة في استثماره لصالحهم، أو على الأقل فليذهب الجميع إلى الجحيم في حالة خسارتهم، على غرار قول أبي فراس الحمداني:
معللتي بالوصل، والموت دونه
إذا متُّ ظمآناً، فلا نزل القطرُ