د.ثمامة فيصل
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه من القدرات والملكات ما لم يمنح غيرَه من المخلوقات. فكل عضو من أعضاء جسده بنظامه المحكم آيةٌ من آيات الله الباهرة. وأما ما يحصل من خلل أو مشكلة في ذلك النظام عند بعض من البشر، فإنه نوع من الاختبار والابتلاء من الخالق للعباد، فمنهم من تضعف همته وتتحطم إرادته؛ فيَلقَى نفسَه أمام وضعه مكتوفَ اليدين مغلوباً عليه، ومنهم من يستثمر ما لديه من القوى والإمكانيات، ويُقنع نفسَه بالإقدامِ ومواصلة السعي إلى الأمامِ، فيجد نفسه - نهائيا - من المُفلِحين الموفَّقين.
ومن المشاكل أو المعضلات الخِلقية التي يعاني منها بعض الناس مشكلة «الدِسْلَيْكْسِيا» (Dyslexia) أو مشكلة «عسر القراءة» أو «خلل القراءة» كما تُسمَّى باللغة العربية. وأفادت بعض البحوث أن واحداً من كل 12 شخصاً في العالم يعاني من هذه المشكلة، فيما أفادت بعض البحوث الأخرى أن نسبة المصابين بها تتراوح بين 10 و15 في المائة من مجموع سكان العالم. ونظراً إلى انتشارها الواسع، قرَّرت بعض الدول والمنظمات العالمية تخصيص شهر أكتوبر من كل سنة لنشر التوعية حولها.
ومشكلة «عسر القراءة» لا تعني بالضرورة نوعاًَ من الاضطراب العقلي أو الإعاقة العقلية، بل هو نوع من الخلل الواقع في النظام العصبي للدماغ البشري، الأمر الذي يخلق نوعاً من التشوش والارتباك عند المصاب بها أثناء قراءته شيئاً مكتوباً. فكثير من الجهابذة والعباقرة في العالم كانوا مصابين بهذه المعضلة، وحسبُنا مثالاً على ذلك العالمُ العبقري ألبرت أينشتاين والفنان القدير بابلو بيكاسو من بين الكثيرين الآخيرين.
وفي الأيام الأخيرة تناقلت الصحف الهندية قصة نجاح شاب هندي مصاب بمشكلة «عسر القراءة» تمكن من التغلب عليها بإرادته الفولاذية وسعيه الدؤوب، بحيث إنه نجح في اختبار القبول العمومي للالتحاق بأحد المعاهد الهندية المرموقة لإدارة الأعمال، حائزاً على 92 في المائة، مُبَرِّزا على مئاتِ الآلاف من الطلبة المشاركين.
ياشْ أَوَادَيشْ غاندِيْ البالغ من العمر واحدة وعشرين سنة ينحدر من مدينة مومباي حيث أكمل دراسته الثانوية وحصل على شهادة البكالوريوس في المحاسبة والاقتصاد. ويعاني ياش من مشكلة في المشي والقراءة والكتابة والكلام، ولكنه على الرغم من كل هذه العوائق والمعضلات، لم يستسلم أمام حالته البائسة، بل جعل النجاح نصب عينيه.
«كان تحقيق الهدف صعباً، ولم يكن مستحيلاً» بالنسبة لِياش كما قال في بيان له لإحدى الصحف الهندية بعد نجاحه في الاختبار. وللعلم، فإن مئات الآلاف من الطلبة الهنود يشاركون كل سنة في اختبار القبول العمومي لاستكمال دراستهم العليا في أحد المعاهد الهندية للتكنولوجيا (Indian Institute of Technology) والمعاهد الهندية لإدارة الأعمال (Indian Institute of Management). ويُعدُّ خريجو هذه المعاهد المتميزة من أفضل الخبراء في هذين المجالين سواء في الهند أم في الدول الغربية، فإنهم يمثّلون نحو 25 في المائة من مجموع الخبراء والأخصائيين العاملين في «وادي السيليكون» بالولايات المتحدة، حيث تقع مقراتُ أبرزِ شركات التكنولوجيا العالمية مثل «مايكروسوفت» و»آبل» و»فيسبوك» و»غوغل» و»سيسكو» و»أوراكل».
سيستكمل ياش - ودون أي شك - دراسته العليا في بضع سنوات في هذا المعهد؛ لينضم إلى إحدى هذه الشركات العملاقة. ومن يدري قد يرتقي إلى مرتبة المدير في شركة ما. والأمر الذي لا شك فيه أنه لم يكن يستطيع أن يشقَّ طريقَ نجاحه لولا طموحه العالي وعزيمته القوية وإرادته الجبارة.
لم يرض ياش قط بالوقوف والركود أو الهروب من تكثيف الجهود، ولم يعرف الاستسلام أو التواني في الإقدام، بل حاول التغلب على مشكلته، ونجح في سعيه بقوة عزيمته. ويصدق عليه قول الشاعر:
الجَدُّ في الجِدِّ، والحِرمان في الكَسَل
فانصبْ تُصبْ عن قريبٍ غايةَ الأمل
فبالجد والمثابرة والسعي والمجاهَدة يعلو قدرُ الإنسان ويسعد حظُّه. وهذا هو الطريق الوحيد للتغلب على مشاكل الحياة وصعوباتها، سواء كانت خِلقيةً ابتلانا الله بها، أم كانت مما عملتْ أيدينا وحصدتْه غلَطاتُنا وفَعَلاتُنا.
** **
- أكاديمي وصحافي هندي