عبدالرحمن الحبيب
«إنه شيء هائل للغاية، عاطفيًا وجسديًا، لقد كانت خسارة اقتصادية كبيرة، تخسر كل شيء. إنه الشعور بالعجز عند مشاهدة المياه وهي تتصاعد داخل منزلك ولا يمكنك فعل أي شيء. تشاهد المياه وهي ترتفع، وكيف تغمر كل شيء، وما عليك سوى الانتظار.» هذا ما قاله المواطن المكسيكي بويبلا جويل، في إجابته على استطلاع المخاطر العالمية لتغير المناخ.
من أجل اتخاذ أنسب القرارات المتعلقة بالبيئة والمناخ يحتاج صانعو السياسات وأصحاب القرار المزيد من البيانات والمعلومات ليس فقط من قبل العلماء والمختصين بل أيضاً على المستوى الناس العاديين، فالمعلومات غير الكافية يمكن أن تؤدي إلى سوء تقدير البرامج وميزانياتها وسبل اتخاذها.
للمرة الأولى يتم فيها بحث تصورات الناس لمخاطر تغير المناخ على مستوى العالم، عبر إجراء استطلاع الرأي الخاص لمساعدة صانعي السياسات على فهم تفصيلي للرأي العام: كيف يفكر الناس في تغير المناخ وكيف يؤثر عليهم. يقول برنارد أوكيب (مبادرة تمكين المجتمع والإعلام، كينيا): «من المهم أن نجري هذه المحادثات حول المخاطر مع مجتمعاتنا. على سبيل المثال، تغيرت أنماط هطول الأمطار في منطقتنا، لذلك نحتاج إلى زراعة محاصيل مختلفة تنمو بشكل أسرع وتتكيف مع هذه الظروف الجديدة.
الاستطلاع قامت به مؤسسة لويدز ريجستر Lloyd)s Register Foundation، وقد أظهرت النتائج أن أغلبية الناس على مستوى العالم يعتقدون أن تغير المناخ يشكل تهديدًا للجيل المقبل في بلدانهم. قال أكثر من أربعة من كل عشرة (41 في المائة) أشخاص من الذين تمت مقابلتهم في مسح المخاطر العالمي عام 2019 إن تغير المناخ يشكل تهديدًا «خطيرًا للغاية» على الناس في بلدانهم في السنوات العشرين المقبلة، وقال 28 في المائة آخرون إنه يشكل «إلى حد ما» تهديداً خطيراً، بينما قال واحد من كل ثمانية (13 في المائة) إنه «لا يمثل تهديدًا على الإطلاق».
هذه النتائج تبين كيف يختلف الاقتناع بمخاطر تغير المناخ وفهمها بشكل كبير اعتماداً على عديد من العوامل المعقدة مثل البلد والسن والجنس وتجربة الأفراد في التعرض لمناخات قاسية أو عدم التعرض لها، على الرغم من أن الأغلبية يدركون المخاطر..
المفارقة إن أكبر الملوثين في العالم (الصين، أمريكا، الهند) يقلقون أقل من غيرهم بشأن تغير المناخ. ففي الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر لانبعاث الكربون بالعالم، يرى 21 في المائة من الناس أن تغير المناخ «ليس تهديدًا على الإطلاق». الولايات المتحدة لديها أعلى نسبة من المتشككين في تغير المناخ بين البلدان ذات الدخل المرتفع. كذلك في الصين، وهي أكبر منتج للكربون بالعالم، أقل قلقًا بشأن تغير المناخ، حيث يرى 23 في المائة فقط أنه يمثل تهديدًا خطيرًا للغاية، مقارنة بـ29 في المائة ممن ليس لديهم رأي و12 في المائة يشعرون بأن تغيير المناخ ليس تهديداً. كما أن مستويات الشك في الهند، ثالث أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، مماثلة لأمريكا، حيث ينكر 19 في المائة أن تغير المناخ يشكل خطراً.
كذلك تختلف مشاعر الناس تجاه مخاطر تغير المناخ وفقًا للتغيرات الديموغرافية. إذ وجد الاستطلاع أن العمر والجنس لهما تأثير صغير، لكن مهم، على تصنيفات المخاطر. كان الشباب أكثر عرضة لتصنيف تغير المناخ باعتباره تهديدًا خطيرًا جدًا للناس في بلدهم على مدار العشرين عامًا المقبلة، مقارنةً بكبار السن. كما ينظر الرجال عمومًا إلى تغير المناخ على نحو أقل جدية من النساء.
كما أن وجهات النظر بشأن مخاطر تغير المناخ تتأثر بتجربة الضرر الناجم عن الظواهر الجوية المتطرفة، حيث تزيد نسبة من يعتبرون تغير المناخ تهديدًا خطيرًا للغاية لأولئك الذين يعانون من طقس قاس. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن عوامل أخرى، مثل التعليم وتسييس النقاش حول تغير المناخ، قد تكون أيضًا عوامل مؤثرة.
خلاصة الدراسة تُظهر «أن الرسالة المتعلقة بتغير المناخ تُسمع بشكل مختلف تمامًا حول العالم» حسب البروفيسور ريتشارد كليج الرئيس التنفيذي لمؤسسة لويدز ريجستر. هناك أناس يرون الوضع في غاية الخطورة بينما يعارضهم آخرون وثمة أغلبية في الوسط. إذن، لا يزال الغموض يكتنف دقة البيانات والمعلومات، وكذلك عدم وضوح الفوائد بعيدة المدي لصحة البيئة وحماية المناخ والتنوع البيولوجي لدى كثير من الناس.
صحة البيئة تعني نقص في الأمراض والمرضى وتحسن في جودة الحياة، ومن ثم تعني خفض تكاليف ميزانية الصحة في البلد. من المهم أن نلاحظ أن جميع الفوائد التي يتم قياسها من تحسين صحة البيئة هي في الواقع فوائد اقتصادية، لكن معظم الناس يميلون إلى التفكير في الاقتصاد على أنه يتعلق بشكل خاص بالتجارة أو المال، إلا أن أي شيء تعود من خلاله منفعة للبشر يعد «اقتصاديًا». المشكلة أنه لا يوجد تقييم مالي لذلك فيصعب على أصحاب القرار إدراج صحة البيئة كأولوية في خطط الميزانية، وحتى لو وضعوها فقد يواجهون عدم رضا قطاع كبير من الجمهور الذي لديه أولويات مستعجلة لا سيما أن تحسين البيئة يأتي تأثيره على المدى الطويل. هذا يتطلب نشر الوعي لتعميم قناعة عامة بالفوائد بعيدة المدى لصحة البيئة..