محمد آل الشيخ
إسرائيل أضحت حقيقة واقعة، وهزيمتها عسكرياً على الأرض ضرب من ضروب المستحيل، لأنها ببساطة تملك (الرادع النووي)، كما أن قادة الفصائل الفلسطينية ليس لديهم إلا الشعارات والخطابات والجعجعة، وما يجب أن يكون دون أن يكلفوا أذهانهم ولو لبرهة في التفكير فيما هو كائن. لذلك كله فإن الفلسطينيين ليس أمامهم إلا البحث عن حلول واقعية، حتى وإن كانت هذه الحلول لن تتحقق على المدى القريب ولا حتى المتوسط، وإنما البعيد، بل وربما البعيد جداً، كما يجب أن يدركوا جيداً أن أغلب حركاتهم الثورية المطالبة بتحرير فلسطين كانت من مخلفات الحرب الباردة بين الغرب والشرق في الماضي، وأن سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفييتي، قد خلق واقعاً جديداً بالكلية، انتصر فيه الغرب، وبالتالي حليفته إسرائيل، بالشكل الذي ماكان متاحاً في الماضي لم يعد له وجود على أرض الواقع اليوم؛ وهذا يعني أن على الفلسطينيين أن يفكروا في حلول جديدة واقعية تتماهى مع متغيرات الحاضر الدولية، وثانيها - وهذه نقطة في غاية الأهمية - أن الحاضنة العربية التاريخية التي كانت تحتضن الفلسطينيين أضحت لديها هموم بل وأخطار جعلت قضيتهم تتراجع، وتتقدم عليها هموم جديدة لم تكن موجودة في الماضي؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الدول العربية تفكر فعلياً في أولوياتها، ولن يثنيها عن توجهاتها، وخدمة قضاياها، لا الشتم ولا السب ولا التخوين. لهذا فإن إصرار قيادات الفصائل الفلسطينية في البحث عن حاضنة جديدة مثل تركيا أو إيران لن يضيف إليها شيئاً، هذا إذا لم تستعملهم تلك الحاضنة الجديدة كورقة مساومة لتحقيق مكاسب سياسية لها وليس لقضيتهم.
الواقعية والعقلانية تحتِّمان على قادة تلك الفصائل - لو كانوا يعقلون - التماهي مع متطلبات الواقع، والممكن، وعدم القفز لما يجب أن يكون.
وأنا لدي قناعة كاملة أن حل القضية الفلسطينية هو من داخل فلسطين وليس من خارجها، فالفلسطينيون في الداخل، أو كما يسمونهم (عرب إسرائيل) هم فقط القادرون فعلياً على الانتصار على إسرائيل رغماً عنها، فقد كانوا في بدايات تأسيس إسرائيل لا يتجاوزون بضعة مئات من الآلاف، وهم اليوم يصلون إلى أكثر من مليوني نسمة، ويجب الاعتراف بأن الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي يمارسون حياتهم المدنية، ولهم من الحقوق ما لا يناله الفلسطينيون في أغلب الدول العربية، اللهم إلا فلسطينيي دول الخليج. كما أنهم ممثلون في الكنيست الإسرائيلي؛ ولو قارنت بين نمو تعداد الفلسطينيين مع نمو اليهود، لوجدت بوضوح أن أعدادهم في تزايد مستمر، أكثر من تزايد اليهود؛ معنى ذلك أنهم سيصلون في يوم ما، ربما في المستقبل البعيد، إلى أن أعدادهم ستتجاوز أعداد اليهود حتماً.
من هنا يمكن القول، وبدقة تدعمها الأرقام الإحصائية إن أقوى وأمضى سلاح يملكه الفلسطينيون، ويتفوقون به على اليهود في إسرائيل هو (أرحام نسائهم). والإسرائيليون ليس لديهم أي (رادع) لهذا السلاح، حتى فكرة (يهودية دولة إسرائيل) التي يطرحها اليمين الإسرائيلي، لا يمكن تنفيذها على الأرض عملياً، فهذه الفكرة تقتضي بالضرورة أن يتم طرد عرب إسرائيل إلى خارجها، وهذا لا يمكن أن يتقبله العالم اليوم بأي شكل من الأشكال، لتبقى هذه الأفكار المتطرفة مجرد شعارات يمينية داخل إسرائيل لاستقطاب الناخبين ليس إلا.
ولكن هل سيقبل فلسطينيو الخارج، وبخاصة المتأسلمون منهم، أن يُسلموا راية المقاومة إلى من هم في الداخل، ويتخلوا عن ملايين الدولارات التي (يشفطونها) من القضية بذريعة اجتثاث إسرائيل، وإلقائها في البحر. وهنا بيت القصيد؛ فلو افترضنا جدلاً أنهم قبلوا، فهناك مستفيدون كثر وعلى رأسها إيران الملالي وكذلك العثمانيون الجدد في تركيا، سيعتبرون ذلك خيانة وتفريطاً في القضية لأنهم يستثمرونها في تحقيق توسعهم.
بقي فلسطينيو الشتات، الذين يجب توطينهم حيث يكونون؛ ولن يُمانعوا، فلو خُيِّر الفلسطينيون في أوربا أو أمريكا أوكندا وأستراليا أو فلسطينيو دول الخليج بين (العودة لفلسطين) أو البقاء حيث يكونون لاختاروا البقاء حيث يكونون.
إلى اللقاء