مها محمد الشريف
يعاني حلف الناتو من أمرين؛ أولهما مخاوف من انسحاب ترامب من حلف الناتو قبل مغادرته منصبه، كما فعل مع اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ، والاتفاق الدولي بشأن تغير المناخ، ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، ومن دور تركيا التي تقود السياسة نحو مكان تحكمه معاهدات خارج الميدان الدولي، حيث هاجم الرئيس الأمريكي سابقاً الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بسبب عدم إسهامها بما يكفي لتمويل الحلف، في الوقت الذي تبقي فيه تلك الدول على فائضها التجاري مع الولايات المتحدة.
لكن في محاولة لاسترضاء ترامب، ستتعهد أوروبا وتركيا وكندا بمبلغ 400 مليار دولار كإنفاق دفاعي بحلول عام 2024، وتوافق أيضًا على تخفيض مساهمة الولايات المتحدة في تمويل التحالف نفسه، فذلك كان الحال بالأمس وحال اليوم يخبر بأن تركيا تعاني من تدهور اقتصادي سيكلفها الخروج عن وعودها مع الحلف.
لقد سجن أردوغان نفسه في حلقة مفرغة لا يستطيع الخروج منها، مهما كان حجم الاستعراض، ومهما سعى إلى إنتاج خطاب أسطوري حول تماسكه وقدراته، وتحمل وزر تاريخه من أجل تعاملات لا معنى ولا مصير لها تنتهي مع نهاية شيطان استعماري مكبوت إلى مزبلة التاريخ، يشهد العالم ما يقدمه باستهجان ولن يتحمل طويلاً هذه العروض البائسة، فهل ستكون تركيا سبباً في انتهاء حلف الناتو؟، مثلما انتهى حلف وارسو قبله، عطفاً على دورها المحوري في الأحداث والتوترات، بعد أن أثارت إشكاليات كثيرة في العالم اليوم.
منتجة بذلك مجتمع العداوة، حيث أصبح العدو أكثر من أي وقت مضى، وفي العديد من المحافل والمناسبات طالبت الشعوب الأوروبية بطرد تركيا من حلف الناتو، خاصة بعد أن اشترت منظومة الدفاع الروسية «إس 400»، وعرقلت كثيراً من الأدوات لصالح بعض دول الحلف، ونشرت مجلة ماريان الفرنسية تقريراً رجحت فيه إقصاء تركيا من حلف شمال الأطلسي الناتو. وأشارت المجلة في تقريرها إلى خرق أنقرة لقرارات الأمم المتحدة بإرسال ودعم المرتزقة والميليشيات الموالية لها في ليبيا، مضيفة أن أنقرة باتت تشكل خطراً في منطقة البحر المتوسط.
لعل نظرة حلف الناتو لعضوية تركيا كانت من منطلق أنها دولة «وظيفية» يتم توظيفها لصالح دول الحلف ضد الاتحاد السوفيتي السابق وحلف وارسو بعد اندلاع الحرب الباردة، وغذى هذا الدور توهم تركيا بمزاحمة الأقوياء على أماكنهم وممارسة العنف السياسي ضدهم، وحاولت أن تتشبث بهذا الدور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وتتمة لذلك العمل وقفت موقف الشاهد حتى تراجعت قيمة ووزن الدور التركي منذ ذلك التاريخ، وانسحب أردوغان انسحابات خفيفة تتبعها تقلبات فجائية لتنفيذ الدور أو الوظيفة المكلف بها بعد قيام ما يسمى بالربيع العربي. كانت الوسيلة الفضلى لإدراك تلك الفوضى ودعمها في المنطقة، وشكلاً ممدوداً ومشحوناً بدأ منذ 2011 التدخل في الشؤون الداخلية للعراق باحتلال أكثر من 12 قاعدة أكبرها معسكر بعشيقة قرب الموصل، وتدخل في سوريا بزعم دعم المعارضة المعتدلة هناك وحرر هذا التحول بحركات وجدانية تستثير الحشود الموالية له وتناصره في الدول العربية، لكن بعدما وصلت سياسته إلى مضاعفة الأسيجة من حولها، فهي تقترف أشياء سيئة لا تلبث تطاردها العقوبات، ولن يكون التحرش بقبرص واليونان سهلاً أو متاحاً من قبل الحلف، يضاف لها التدخل المباشر في الصراع الليبي، والوقوف أمام خطط الناتو في البلقان، فقد أصبح أردوغان حملاً ثقيلاً على حلف الناتو.
والظاهر أن الأمر لم يعد يتعلق بتوسيع دائرة الفوضى، وإنما يتعلق بصناعة مزيداً من الأعداء، وتأسيس علاقة مع الآخرين تقوم على تصدير نقاط ضعف في الداخل واستبدالها بنقاط أكثر تهوراً لإضفاء الكثير من العنف شريطة وجوده في العالم ويحكي عن قوة شاملة وهمية تثير الفزع وتلاشي الشعور بالوجود في الحروب المعاصرة ولن يبقى رجل وينتهي حلف، خاصة بعد انتقادات سابقة لوزير الدفاع الأمريكي آخرها تصعيد غربي ضد بقاء تركيا في حلف الناتو.