د. عيد بن مسعود الجهني
جائحة كورونا (الخبيثة) اجتاحت دول أعضاء منظمة الأمم المتحدة، ووقف المجتمع الدولي في وجهها كل فيما يملك من قواه الصحية، ورغم ذلك أتت على حياة أكثر من مليون إنسان، رغم هذا التضامن الدولي في وجه الداء، لكن لم يحدث هذا الهلع الرهيب سكان دولة واحدة على هجر وطنهم هروباً من بطش الجائحة.
العالم الذي وقف صفاً واحداً لرد كيدها إلى نحرها وجيش علماء الطب والأبحاث في ميدان الفيروسات رغم أنه حتى كتابة هذه السطور لم يبلغ هدفه الذي حدده باكتشاف لقاح أو دواء، إلا أن عزيمته لا زالت في كامل قوتها لدحر هجمة هذا المرض العضال.
لكن نحن العرب والمسلمين أمام أعيننا رجل واحد دكتاتوري سلطوي مستبد لقبه الأصلي (الجحش) والرئيس المصري الراحل عبد الناصر -رحمه الله - منح والده الهالك لقب (الأسد) وهو بهذا غير جدير، إنه سيئ السمعة (بشار)، تسبب في إزهاق أرواح أكثر من (700) ألف من إخواننا السوريين وبعض المصادر تؤكد أن العدد بلغ المليون.
والقائمة تطول لتضيف لسابقتها (1) مليون جريح، (1) مليون آخر إعاقتهم بالغة الخطورة، ويقبع في سجون هذا الفاشي (اللعين) أكثر من (100) ألف من المواطنين السوريين يتعرضون للتعذيب ليل نهار.
ألا ترون أنها فاجعة كبرى تحدث لشعب شقيق له مواقفه التاريخية، فمن على أرضه انطلقت راية فتوحات إسلامية عظيمة في الفترة التاريخية للدولة الأموية بين 41 - 132هـ بلغ العرب الثريا في الفتوحات ليسيطروا على نصف الكرة الأرضية المعروفة بتلك الفترة من عمر التاريخ.
اليوم هذا الشعب قتل فيه من قتل وجرح من جرح ولحق بهم المعاقون، ليس هذا فحسب فنصف السكان هجروا الوطن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ليس ببعيد عن الوطن، إنهم على أطرافه، في الأردن ولبنان وتركيا ودول عربية أخرى، وسعيد الحظ من بلغ أوربا أو بعدها ونجا من الغرق في البحار والمحيطات.
العالم الذي اتحد ضد فيروس كورونا أغمض عينيه وسد أذنيه بالشمع الأحمر عن قضية أهل الشام لتصبح أفدح وأعتى من قضية فلسطين، واللاعبون الكبار في إدارة شطرنج البلاد، الروس الذي هرول إليهم الطاغية ليسلمهم بعض مفاصل البلاد شيدوا قاعدة طرطوس البحرية التي تضم عدداً غير قليل من السفن الحربية وصواريخ اس 300 .
ليس هذا فحسب أتبعوها بقاعدة حميميم العسكرية والجوية تكتظ بالطائرات وصواريخ اس 400، أما قاعدة تدمر العسكرية فهي الأخرى مدججة بالسلاح.
ولم تقبل الإدارة الأمريكية أن تخرج من (المولد بلا حمص) كما يقولون فقد اختارت منطقة التنف، حيث النفط الذي يبلغ الاحتياطي النفطي السوري منه (2.5) مليار برميل، الذي يسيل لعاب الطامعين، فقد شيَّدت قاعدة كوباني أو عين العرب، ودعمتها بقاعدة تل أبيض على الحدود السورية مع تركيا، ثم قاعدة رميلان شرق القامشلي.
أما قاعدة عين عيسى فهي الأخرى في شمال سوريا، وقاعدة أخرى أطلق عليها اسم المبروكة وسادسة اختير لها مسمى قاعدة خراب عشق، أما السابعة فهي قاعدة تقع شمال محافظة الحسكة اسمها قاعدة تل بيدر.
ولا يمكن للبريطانيين أن يخرجوا خاسرين فلحقوا بالركب ليشيدوا عند المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي قاعدة معبر التنف.
أما الأتراك الجيران للسوريين وإخوانهم في الدين فإن أطماعهم لا تقل عن غيرهم، بل قد تزيد، فالقسمة في نظرهم لا بد أن تكون نصيبها في صالحهم وما حصدوه كان بموافقة إيرانية وروسية، لهذا أصبح الأتراك يسيطرون على مساحات شاسعة في شمال البلاد، وصار لهم شن حروباً دفاعاً عن نصيبهم من الأرض السورية فشنوا معركة درع الفرات وأخرى لقبت بغصن الزيتون.
وجماعة ولاية الفقيه هدفهم أبعد من الدول التي أشرنا إليها فهم محتلون حقيقيون يقود جيشهم في بلاد الشام الحرس الثوري المشرف على تحركات كل المليشيات الإيرانية التي تنتشر في كل من دمشق وجنوبها وريف حلب وحمص الشرقي تدعمهم قاعدة إيرانية كبرى بمنطقة (سفيرة) في شمال البلاد.
ويتقاسم ميليشيات حزب الله الأدوار مع ميليشيات الفرس إخوانهم فهم موجودون في الجنوب، وقد رسموا لأنفسهم خطوطاً وأهدافاً محددة أحدها يقترب من الجولان وفي أرياف القنيطرة ودمشق ودرعا وشرق الطريق الدولي بين الأردن وحتى السويداء ناهيك عن نفوذهم في الزبداني وبلودان ... إلخ.
الصورة واضحة أصبحت بلاد الشام بلا سيادة ولا حدود ناهيك سقوط السلطة الحاكمة، وتشتت الشعب في أصقاع الأرض، هذا لأن أركان الدولة المتعارف عليها طبقاً للقانون الدولي والدستور وميثاق الأمم المتحدة قد تهاوت واحدة تلو الأخرى.
الوضع أسوأ بكثير من وضع الفلسطينيين مع الدولة العبرية التي التهمت 80 في المئة من الأراضي الفلسطينية وأقامت المستوطنات لتخترق قرى وبلدات الضفة الغربية، ومن يمعن النظر في أرض سوريا يدرك أن المحتلين الرئيسيين الروس والإيرانيين ومعهم حزب الله والأتراك والأمريكيون والبريطانيون، وهذا أقسى في صوره من الاستعمار في القرن المنصرم، فالمستعمر واحد يمكن رفع راية الكفاح المسلح ضده، لكن المحتلين تحارب من وتغض الطرف عن من.
وبقي (الجحش) في دمشق يأتمر بأمر جندي روسي أو إيراني لكنه يأكل بملاعق من ذهب وسكان العاصمة اغتالهم الفقر والجوع فاقدين أبسط الاحتياجات الغذائية والطبية أصبحت بعيدة المنال.
وقد جاء قانون قيصر ليحرم (الفأر) من حلمه في البقاء في السلطة وتمتد العقوبات إلى قطاعات الطاقة والصناعات العسكرية والتشييد والبناء، كما تهدف إلى منع الدعم للميلشيات المدعومة من روسيا وطهران، وهي أيضاً تشمل المؤسسات الدولية والإقليمية التي قد تتعاون مع النظام وإيران ناهيك الأطراف الدولية والإقليمية التي كانت تخطط للاستثمار في بلاد الشام.
وإذا كان حال البلاد هكذا أو أمر من ذلك فإن الاقتصاد السوري قد هوى إلى القاع والعملة (الليرة) أصبحت أوراقاً لا قيمة لها بعد أن كانت قبل عام 2011 بحدود (50) ضد الدولار لتسقط اليوم عند 2350 ليرة، وبهذا فإن الذي يدفع الثمن هي الأفواه الجائعة التي أصبحت لقمة العيش عصية وبعيدة المنال بالنسبة لهم.
ورغم أن الشعب السوري وثورته دخلت في عامها العاشر يتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى، ولا مجيب ولا معين، وأصبح الدكتاتور المستبد الذي يبدو أنه قد قرأ عن أصل هذا المصطلح (ديكتاتور) من التراث الروماني القديم الذي كان يطلقه على القاضي في زمن الطوارئ، كما أنه بحث في التراث اليوناني القديم الذي عرف مصطلح (الطاغية).
ولذا فهو إذا قتل جموعاً غفيرة من السوريين فهو هنا دكتاتور وإذا ألقاهم في غياهب السجون فهنا يصبح الجحش (طاغية) وبئس اللقبين.
المهم أن بلاد الشام خرجت من النظام العربي وأمنه كما خرجت قبلها بلاد الرافدين واليمن وليبيا، وأصبحت سوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً على حافة الهاوية، والمجتمع الدولي المهتم بدعم السلام والأمن والعدالة الدولية واحترام ميثاق المنظمة التي تجمعه.. عليه أن يدعم شعب سوريا ليحصل على حريته وأمنه واستقراره، وحمايته من اللاعبين الكبار في مقدراته وفي مقدمتهم إيران وتركيا وروسيا التي تحمي ظلماً وعدواناً النظام السوري المنتهية صلاحيته (بالفيتو) البغيض الذي بلغت مرات استعماله ضد قرارات مجلس الأمن لصالح الشعب السوري (11) مرة، وهذا ظلم عظيم قتل قرارات مجلس الأمن الذي أقامه المنتصرون في الحرب الكونية الثانية.
وإذا كان دكتاتور سوريا قد ارتكب جرائم غير مسبوقة في التاريخ بأسلحة محرم دولياً ومنها (الفوسفورية)، وغاز السارين في عدة قرى منها هجوم خان شيخون ومثله في الغوطة الشرقية وكذلك في قرية اللطامنة، فهذه أسلحة دمار شامل فهذه الجرائم لها عقوبات محددة يجب أن توقّع على مرتكبيها، فأهل الشام قتلوا وهدمت بيوتهم على رؤوسهم، واستعملت ضدهم أعتى الأسلحة وأعنفها وأشدها ضرراً وإيلاماً، وإذا قرأنا بعض نصوص مواد قانون المحكمة الجنائية الدولية ومنها المادة الخامسة التي حددت الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وكذلك المادة السادسة، والسابعة، والثامنة التي شرحت تفصيلاً المفهوم القانوني لجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم الحرب وغيرها من الجرائم، إذا استعرضنا تلك المواد التي حددت الجرائم المعاقب عليها دولياً نجد أن جميع الجرائم التي ورد النص عليها، بل أكثر منها قد ارتكبها دكتاتور سوريا وجنوده ضد الشعب السوري بلا وازع من خلق ولا رادع من ضمير، فاستحق عليها القصاص من الشعب السوري، وقد تشرق شمس نهار يوم ما وهؤلاء المجرمون أمام عدالة محكمة الجنايات الدولية.
اليوم فإن الناظر إلى حال أهل الشام يتقطع نياط قلبه آلاماً وحسرة لما لحق بهم من قتل وتشريد وانكسار وتشتت وتمزّق غير مسبوق في التاريخ العربي حتى في عهد الاستعمار المظلم.
وكيف لا يتقطّع القلب ألما والنفس حسرة وهو يرى إخوته في ديارهم وقد توالت عليهم المصائب والكوارث من كل حدب وصوب وجاءه الغازون (بالقوة) (المعراة) ليحتلوا بلاده تلبية لدعوة طاغيته فأثقلته الجراحات وأقعدته عن السير العثرات.
والله ولي التوفيق،،،