سلمان بن محمد العُمري
تتعدد المؤسسات والجمعيات الخيرية في بلادنا، وتتنوع مهامها وأنشطتها، وتتفرَّد بعضها وتتميز في برامجها عن غيرها على الرغم من حداثة نشأتها، وقلة إمكاناتها وخبراتها، ولا خلاف أن لكل قطاع غير ربحي قيادة تختلف عن الأخرى.
ومن بين تلك الفئات التي حظيت بالعناية والرعاية قطاع الأيتام حيث حظي -ولله الحمد- بنصيب وافر ليس في القطاعات الخيرية فقط بل في القطاع الحكومي والأفراد، ولا غرابة أن يحدث ذلك في مجتمع مسلم تحث تعاليم الدين فيه على كفالة اليتيم ورعايته، ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس باليتيم، وأشفقهم عليه، ويقول -صلوات الله وسلامه عليه-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه".
والله سبحانه وتعالى يقول: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}، وهل أخطر من هذا التنبيه والتذكير والوعيد، فاليتيم جعل الله سبحانه وتعالى لمن يعنى به مكانة عالية في الدنيا والآخرة، لأن حالة اليتيم ذاتها هي ابتلاء، واليتيم المؤمن أمره كبير عند الله، وينال الناس حسب تعاملهم معه إما الثواب وإما العقاب.
والويل والثبور لمن يتعدى على حقوق اليتيم أو على نفس اليتيم، يقول تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (34) سورة الإسراء، ويقول جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، نعم تلك هي النار بانتظارهم، وتلك هي السعير تضطرم نيرانها بانتظار ورودهم إليها، وبئس المصير، والعياذ بالله. أما الذي قام برعاية الأيتام فيقول عنه رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من عال ثلاثة من الأيتام كمن قام ليله وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كهاتين أختان، وألصق إصبعيه السبابة والوسطى"، ويا لها من خير صحبة وخير مكان. ومن جرب اليتم، وعاش مرارته يشعر لا إرادياً بكل ما يكتب، وينشر عن الأيتام على وجه الخصوص، وقد اطلعت على تقرير نشرته إحدى الصحف أكد فيه مدير الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض "إنسان" أنه لا توجد حالياً أي جهود مبعثرة في الجمعيات الخيرية، وذلك لوجود "الحوكمة " والمساءلة والشفافية "، والتي تطالب بها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الجمعيات الخيرية. وهذا رد على من يشككون في مسار ومسيرة الجمعيات سابقاً، ومؤشر طيب نتمنى أن يستمر وفق المنهج الصحيح، وتطبيق الأهداف الخيرية لتلك المؤسسات والجمعيات، وإن على القطاع غير الربحي العمل على تحقيق رؤية 2030، وذلك بالحرص قدر المستطاع بتطوير أعمالهم، وتنشيط برامجهم، وتنويع مصادر دخلهم، وبالذات في تبني الأوقاف لأنها رافد مهم، ومصدر دخل كبير لهم، كما أرى من الأهمية بمكان الاستفادة من خبرات ممن عملوا سابقاً في القطاع الحكومي في رعاية الأيتام، بالإفادة من خبراتهم وتجاربهم كمستشارين في النواحي الاجتماعية والإنسانية لأن التعامل مع الأيتام يختلف عن غيره، فاليتيم يتعرض لضغوط نفسية واجتماعية ومادية واقتصادية وثقافية، ومن هنا يكون للخبرات أثر جلي في معالجة تلك المشكلات، وهناك نقطة مهمة لعلها لا تغيب عن أذهان القائمين في خدمة الأيتام، ألا وهي الحرص على برامج التدريب لتلك الفئة، وتشجيعهم على الدراسة، والأعمال المهنية والفنية،ولعل لي عودة للحديث عن القطاع الخيري مرة أخرى.