د. خيرية السقاف
هاتفتني منبهرة تقول ما ليس غريبًا عني, ولا مستجدًا لي, وكنت أصغي إليها باحتواء..
سيدة جاءت قبل بدء موسم «كورونا» بشهرين عضوًا في هيئة تدريس بإحدى الكليات الجامعية..
ربطتني بها معرفة سابقة, ولم يكن لها من معارف, ولا أصدقاء هنا, منذ وطئت الرياض, كانت أول دهشاتها وهي بشغف التعرف على «السعودية» بعد أن رضيت أن تغترب عن بلدها هو ما وجدته في إجراءات السفر إلى هنا بما يسر لها الحصول على مقعد في الطائرة بعد أن فقدت بطاقة الصعود إليها فعالجها موظف سعودي في مطار بلدها بإجرائه التأكد من اسمها في القائمة وقام بمنحها بطاقة بديلة, ما جنَّبها التأخر عن السفر والقدوم في موعدها المحدد, يومها أخبرتني أن السرعة, والتعامل الراقي اللذين لاقتهما من موظفي المطار السعوديين أذهلتها..
حتى في المطار المحلي, ثم توالت الدهشات إليها, حين أخذتها زميلة سعودية في الكلية لتوفر لها السكن المناسب في أقل من أيام ثلاثة دون عناء, وسددت عنها نصف الإيجار لتستعيده حين يتم صرفه من قبل الكلية, ولم ينته موقف زميلتها السعودية هناك بل دارت بها الأسواق, والمحال المختلفة لتستوي «شقتها السكنية» تامة التأثيث في أيام قليلة, وطيلة تلك الفترة قبل أن يشعل في منزلها موقد كانت وجباتها الغذائية تأتيها عن طارق ويكون وأحداً من جيرانها الذين لم ترهم بعد, أو تكون الطارقة واحدة من زميلاتها قبل أن تغذ في معرفتهم, أو تمتد عرى صداقتها بهن..
أمس جاءتني بالمزيد من دهشاتها قالت: مع الحجر, ثم الحظر, ثم الاحترازات المشددة فقد أبهرتني «سعوديتكم هذه: في أقل من نصف ساعة كنت قد استلمت رسالة نصية بموعد إجراء الفحص الطبي لفايروس «كورونا» حين رغبت قبل يومين, وفي أقل من ست دقائق بعد وصولي للموقع كنت قد أجريته وانطلقت عن الموعد عائدة إلى بيتي, بعد ذلك في أقل من عشر دقائق من دخولي مستوصف العناية الطبية الأولية في الحي الذي أسكن فيه في المدينة كنت قد أجريت فحص «الإنفلونزا»..
ولم يقف الأمر عند هذا بل تواصلني وزارة الصحة برسائل الاطمئنان عن صحتي, والتأكيد على أهمية حرصي.. وبطلبهم المتابعة الدورية لحالتي عن هاتفي..
ما أجمل هذه السعودية العظيمة بلادك أختي»..
ثم كانت آخر دهشاتها التي صبتها ليس في أذني بل في عمق حسي بأثر فرحتها, وبعميق ثقتي هي أنها بمجرد أن سجلت طلباً للعمرة, وآخر لزيارة المسجد النبوي, والصلاة فيه, قد حصلت على الموعدين وبمنتهى اليسر تمكنت من حجز مقعدها للسفر إليهما..
كانت مهاتفتها ليست فقط لصب ماء هذا الجدول العذب الرقراق عن وطننا الغالي وما يقدمه, وكيف تبهر قدراته في مواجهة التحديات, وإمكاناته في فك الأزمات, وأفكاره في حل العقد في عند الطارئات, وأريحيته في بذل كل ما يذهب عن الناس المنغصات, بل لتدعوتي هي بدل أن أدعوها لمرافقتها إلى العمرة, والصلاة في مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام, لكنها قالت بعد إجابتي: «هذه دهشة إضافية منك لي يا خيرية», إذ كنت قد قلت لها: لقد اعتمرنا كثيرًا, وزرنا مسجد المصطفى كثيرًا وليس من اللائق بنا أن نزاحم غيرنا من الشغوفين شبابًا, ومغتربين, وزوارًا, ومقيمين» في ظروف مثل هذه..
بوركت دهشاتها, وزيد في توفيق الله لهذه السعودية العظيمة, ولأبنائها البررة الذين يعملون بصدق, وتفانٍ, وإخلاص, ولقادتها الحكماء المخلصين.