محمد عبد الرزاق القشعمي
وتبلغ به الجرأة للسفر للمنطقة الشرقية ومنها للبحرين. ودخوله السينما، ورؤيته للأطفال يلعبون ويمرحون بملابسهم النظيفة الزاهية في سكن العمال الأمريكيين في مقر شركة (ارامكو) ويقارن بحسرة بينهم وبين أطفالنا الذين يلعبون بملابس رثه ويتعفرون بالتراب.
وفي 3 - 3 - 1371هـ نجده يكتب بعنوان (الأدب النجدي)، هل هناك أدب نجدي؟ وأنه لن يكون ما لم يوجد صحافة تحمل أفكار الأدباء وتعرض إنتاجهم للجمهور ليتذوقها وتربي لديهم ملكة الذوق الأدبي، وتحمل الأديب الصغير والهاوي على تقليد الأديب الكبير ثم الاستقلال بنفسه.. لكن المثبطين المتمسكين بالقول (أن من جهل شيئاً عاداه). ولا ييأس فيقول عندما يتعلم الشباب فإن النهضة الأدبية ستكون نتيجة لزيادة المتعلمين.. وستهب الرياح بما تشتهي السفن. نجده يتوق إلى تعلم اللغة الإنجليزية ويجازف بسمعته إذ كيف يتعلم لغة الكفار؟ فيجد أحد أبناء فلسطين الذين انتدبتهم المعارف ليدرس في المدرس الابتدائية فيتفق معه على أخذ دروس بعد صلاة العشاء.. ومع ذلك فقد بدأ الهجوم على المدرس فانقطع عن تدريسه وأصبح لا يستطيع أن يجاهر بأنه يعرف لغة الكفار.
قال في الكراسة الثامنة عشرة يوم الأحد 29 - 4 - 1371هـ 27 - 1 - 1951م. (إنني سوف أجعلها متحفاً لأفكار وسجلاً للحوادث الجارية في محيطي ولا سيما تلك الحوادث منها التي تتصل بشيء يهمني في أي ناحية من نواحي الحياة..) ص 79 - ج2.
قال إن سفره في العام الماضي إلى مقاطعة الظهران والبحرين قد أغراه وشوقه إلى مزيد من السفر للسياحة ويرجو أن يتمكن من زيارة سوريا وشرق الأردن في عطلة هذا العام.
وما زال يشكو وينتقد من يصفهم (.. بقوى التنغيص لعيش الناس في هذه الحياة ويتعهدوا الجانب الأسود منها.. فيسدوا منفذاً من منافذ السرور ويفتحوا ثغرة من ثغرات الغموم) ص 139 - ج2.
هو يتمنى الاطلاع على كتب ابن سيناء الذي لا دخل له في العقائد كعلم الجغرافيا والرياضيات والطب والأدب. ويرجو أن يمتد الإصلاح والتعليم إلى نجد ولا يكون الاهتمام بالحجاز فقط حتى يحصل أبناء نجد على الوظائف الرئيسة في الحكومة، ص165 - ج2.
يعود إلى من يقول: إن الأدب هو خصم للدين.. لأنه يحاربه حرباً خفية قد تكون أعظم وأكثر أثراً من الحرب المعلنة.. ويحاربون لذلك الجرائد والمجلات والراديو ويزعمون أن كل أولئك مما يضر بالدين ومما يضعف أثره في النفوس ويقلل من مهابته فيها.
(وليت الأمر وقف بهم عند هذا الحد، بل إنهم يعادون الجمال ويعادون النظافة ويعادون حتى التعليم وحتى العلم الذي لا يقتصر على نوع من العمل أو التعليم محصوراً) ص227 - ج2.
فلا غرو إذا أصبح الأدب والتاريخ عندهم شبه معصية من المعاصي.
وقال: (ليست هناك وسيلة للاستمتاع بالفن وقليل من الجمال إلا من ناحية واحدة وهي الاستماع إلى الموسيقى، وليس بالممكن إلا من طريق واحدة طريق الاستماع إليها من جهاز الراديو.. وجهاز الراديو في بيتي منذ سنة ونصف جعلته في أقصى غرفة مظلمة من أقصى بيتي وكنت أحبس نفسي في الحر الشديد فيها لأجل الاستماع إليه..) ص 230 - ج2.
أول مقال كتبه في 15 رجب عام 1371هـ 10 ابريل 1952م إذ طلب منه قاضي جيزان الذي نقل إلى قرية (الفوارة) أن يكتب مقالاً عن مكتبة جامع بريدة التي أنشئت عام 1364هـ وقال إنه مسافر إلى الحجاز وسيحاول نشره في البلاد السعودية، لكنه لم ينشر ولم ييأس إذ كتب في شعبان مقال (الكتابة والكاتبون) وأرسله لمجلة المنهل رغم اعتقاده أنه لم يصل إلى المرتبة الأدبية التي يرتضيها. ومع ذلك نشرت ونعت كاتبها بأنها كلمة نفيسة ووصف كاتبها بأنه الأديب محمد العبودي ببريدة القصيم.
يقف أحد الواعظين بالمسجد ينصح بعدم إدخال أولادهم المدارس لأنها تدرس (تقويم البلدان) فهذا أكبر معول لهدم الدين.. وأن من يدرس الجغرافيا فإنه طاغوت.
«.. وأصبح الإنسان يتحرج من قراءة ومطالعة أي شيء ينشر في الجرائد ولو كان حديثاً نبوياً أو كلاماً يدور حول حديث نبوي أو تفسير آية قرآنية» ص442 - ج2.
وكان للشيخ عبدالله بن حميد دور في تشجيعه على الكتابة بعد أن قرأ عليه مقالاً ينتقد فيه المبالغة في كرامات الصوفية فأيده على نشرها، فنجده يقول: «.. ولكن تشجيعكم وحسن ظنكم هو الذي حملني على أن أقرأ عليكم تلك المقالة وأطلب رأي فضيلتكم فيها. لاسيما وهي مقالة دينية.. هذا ولقد أثر في تشجيع فضلته» ص451 - ج2.
وفي نهاية العام يسافر للرياض ليتوسط لشقيقيه عبدالكريم وسليمان في الدخول بمعهد الرياض العلمي الوحيد عند افتتاحه بخطاب من الشيخ ابن حميد فنجده يصف الرياض وينقد ما يراه غير مناسب.
ومنها عباءات النساء التي تتدلي من خلفهن لأطول من الذارع، فتثير الغبار ويعفر أنوف المارة ويعمي عيونهم.. ويعجب بالكهرباء ويصف بعض القصور التي يحتوي في الأغلب على آلة لعرض السينما، ويرى المكرفون ويعجب به.
ويرافق الشيخ ابن حميد عندما طلب منه الملك عبدالعزيز القدوم للرياض في طريقه لإنهاء معاملات متأخرة في محاكم الحجاز. وهم في طريقهم للرياض منتصف شهر محرم 1372هـ وفي استراحتهم يقول: (.. فرشنا السجاجيد وجلسنا نقرأ في بعض الكتب مع فضيلة الشيخ حيناً ويتحدث حيناً آخر، بينما كان الرفاق ولا أقول الخدم، لأنني لا أحب هذه اللفظة يهيئون القهوة والشاي والغداء، وكانوا راكبين في سيارة مرافقة» ص99 - ج3.0000
وفي مكة يكتب (أخبار سارة) أن صديقه عبدالله المزروع قد نقل له بأن حمد الجاسر قد حصل على ترخيص باصدار جريدة باسم (الرياض) فيفرح ويقول: «لقد زالت الحواجز التي كان المستبدون يضعونها دون انتشار جريدة أو مجلة في الرياض حذراً من أن تكون سبيلاً لإحياء الوعي في الجماهير، وتكون واسطة لتنبيه الناس إلى حقوقهم» ص158 - ج3.
وبعد أن كان ينظر للمعهد والمدارس على أنها الغول الذي سوف يقضى بواسطته على الدين وبعد أن مات ذلك الشخص المعارض من أعيان بريدة طلبوا فتح فرع للمعهد العلمي ببريدة بعد أن لمسوا الفائدة المادية والمعنوية من معهد الرياض العلمي على أن يكون تحت رئاسة الشيخ عبدالله بن حميد رئيس قضاة القصيم.
ويتحقق الحلم ويوافق على فتح الفرع فيعترض من يوصفون بطلبة العلم الأخوان بدعوى أنه سيلحق به معلمون من مشايخ الأزهر بمصر مما قد يؤثر عليهم في دينهم.
فيطلب من بعضهم تدريس المواد الدينية فيتفقون عل الرفض طالما أن معهم مصريين قائلين: «إن الأجانب لا يؤمن منهم وإنه خير للمعهد أن يقتصر على المدرسين الوطنيين» ص223 - ج3.
ويكلف الشيخ العبودي بإدارة المعهد ويختار ويختبر أول دفعة للدراسة، ويقنع القاضي ابن حميد بتدريس الفقه للسنة العليا فيوافق وبعد أسبوع يعتذر تجاوباً مع إلحاح الأخوان ويرسل بعض الشباب برقية للملك يطلبون إنشاء بلدية فيوافق فيعترض البعض.
هذه وقفات قصيرة على بعض ما كان يرويه ويسجله صاحب النظر الثاقب قبل خمسة وسبعين عاماً وعلى من يضع العصي في العجل فكما قيل (الإنسان عدو ما جهل) فشكراً لشيخنا العبودي على هذه الاطلالة السريعة. مع تمنياتي له بالصحة والسلامة والعافية.