عبد العزيز الصقعبي
أركن سيارتي في مواقف سفلية، لا أحب أن أكون بالقرب من مدخل البناية، بل بعيداً قليلاً، لكي أمشي على قدمي ولاسيما أنني أصل لهذا المكان بعد رحلة تجاوزت الساعة بالسيارة، بيتي ليس بعيداً ولكنه الزحام المزعج بالذات في وقت يغادر فيه كل الناس بيوتهم، أصل للبوابة الزجاجية، تفتح تلقائياً، وأتجه إلى المصعد، علي الانتظار قليلاً حتى يعود من الأدوار العليا وينفتح بابه مرحباً بي وبمن يقف بجانبي منتظراً، أتذكر أنني لم أمرر بطاقة العمل على الجهاز الموجود عند موظف الأمن على يمين الداخل من المواقف، فأخرج بطاقة العمل من محفظتي وأمررها على الجهاز، وأسمع النغمة التي تفيد بالاعتماد، أتذكر أنني لم أقل لموظف الأمن صباح الخير، فأقرّر أن أقول له «كيف حالك اليوم» ليجيبني «كما ترى»، هذا السؤال البليد وإجابة الرجل حرمتني من دخول المصعد، حيث سبقني مجموعة من الرجال والنساء، الذين اكتظ بهم المصعد، وكاد يصدر صوت الوزن الزائد، فأقف منتظراً، قبالة مدخل المصعد مباشرة ليكون لي أسبقية الدخول، المزعج إنه مصعد واحد فقط في هذا المكان يربط المواقف السفلية بالمبنى الكبير، هنالك مصعد آخر في الجانب المقابل لهذا المكان ولكن يحتاج أيضاً للانتظار، أراقب أرقام الأدوار التي تضيء على بوابة المصعد (B2،B1،G، 1، 2 ، 3،4، 5) ثمانية محطات لذلك المصعد البطيء، لسوء حظي أنني في المحطة السفلى، وأنا متجه إلى الدور الرابع، توقف كثيراً عند الطابق الأرضي كان ضوء حرف (G) يشع ويكاد يضيء المكان، أفكر أن أتجه إلى الدرج خلف موقع رجل الأمن وأصعد للأعلى، سيكون الأمر متعباً قليلاً، وهذا أفضل من الانتظار، ولكن حقيبتي التي أحملها والتي تعبت من حملها وأنا قادم من سيارتي لهذا المكان، ثقيلة، بها مجموعة من الكتب، والأوراق، لذا من الصعوبة الصعود سبعة أدوار لأصل إلى الدور الرابع، إضافة إلى أن الدرج غير مريح، أسمنتي مرتفع قليلاً، وضع للطوارئ، لا تزال لمبة الدور الأرضي مضاءة، وهذا يعني أن المصعد متوقف هناك، أعتقد أن أحد رجال الأمن في ذلك الدور حجز المصعد منتظراً أحد المسؤولين الذي ستقف السيارة التي تقله عند المدخل ليتجه مباشرة للمصعد ويذهب إلى مقر عمله، حتماً يغبطه أو يحسده رجل الأمن الجالس عند جهاز رصد الحضور قريباً مني، الذي لم أره يبتسم، على الرغم من أن بعض الرجال والنساء، يقولون له صباح الخير أو مساء الخير سواء باللغة العربية أو باللغات الأخرىبالطبع الأغلب الإنجليزية، أو مثلي كيف حالك، أو ابتسامة فقط، ولكن عموماً لا يتجاوز الأمر أكثر من ذلك، رجل الأمن صامت مكتئب، ربما يندب حظه الذي جعله في هذا المكان تحت الأرض، ربما لو كان عمله في الطابق الأرضي أو الأدوار العليا لكسب حظوة عند كبار المسؤولين ومنحوه إكراميات.
الجميع يلتزم الصمت وينتظر وصول المصعد، يطول الانتظار، ويكثر عدد الرجال والنساء الذين يحيطون بي وعيونهم معلقة على ذلك الضوء الذي لم يغادر الطابق الأرضي، يطلب مني أحد الرجال أن أفسح لرجل على كرسي متحرك، ليدخل أولاً، أبتعد قليلاً احتراماً لذوي الاحتياجات الخاصة، يشكرني، ويبتسم، أقابله بابتسامة، نشعر قليلاً بالفرج بعد أن انطفأ ضوء الطابق الأرضي ليضيء الأول ثم الثاني حتى الخامس، لقد تحرك المصعد، وحتماً وصل المسؤول، ننتظر وصول المصعد، الحقيبة ثقيلة، والمكان أصبح يئن من ثقل الناس الذين تجمعوا أمام باب لمصعد، يتجه البعض إلى الدرج، يغادرون، بالطبع هم أكثر شباب وحيوية مني، ربما بعضهم سيذهب إلى الدور الأرضي، ينزل المصعد إلى الدور الثالث، نلاحظ ذلك، لا بأس هنالك من سيتجه إلى الدور الأرضي أو إلى دوري السفلي، ولن يطيل مطلقاً، هذا ما توقعناه جميعاً حتى الرجل الجالس على الكرسي المتحرّك والمرأة التي ابتعدت قليلا لتخرج مرآة صغيرة وتتأكد من ثبات مساحيق التبرج على وجهها، نحن تحت الأرض، وطبيعي أن يكون المكان حاراً على الرغم من جهاز التكييف المركزي الذي ينفث هواء بارداً فوق مكان رجل الأمن، طال الوقوف وطال الانتظار، والمصعد أعجبه الدور الثالث فبقي به مدة طويلة تسببت باستياء جميع المنتظرين، يتحرك المصعد ونتوقع أن سيتوقف في الدور الثاني أو الأول أو الأرضي ولكن يواصل نزوله ليصل لنا فتضيء لمبة (B2 ) يفرح الجميع، ويستعدون للتوجه للدخول بعد فتح الباب ومغادرة من هم بالمصعد، ولكن يفاجئون عند فتح الباب بوجود عاملَين ومجموعة من الكراتين الصغيرة تحتل كامل المصعد، يوقف أحدهما المصعد بمفتاح معه ويطلب من الجميع الابتعاد قليلاً، يرجع صاحب الاحتياجات الخاصة بكرسيه المتحرّك قليلاً، ليفسح طريقاً لإخراج الكراتين من المصعد، يبدو أنها ثقيلة، وكل كرتون يحتاج أن يحمله ثلاثة أشخاص، لذا يطلبون من رجل الأمن مساعدتهم، فيغادر مكانه مستاءً، ويبدأ بمساعدتهما، ويتضح أن تلك الكراتين ثقيلة، ربما بها حديد، لا أعتقد ذلك، أظن أنها كتب وأوراق، وهي حتماً ثقيلة، يضعونها خارج المكان في انتظار سيارة تحملها، يستغرق ذلك وقتاً، أسلي نفسي بعد الكراتين وقراءة ما هو مكتوب عليها، يدخل بعض الرجال المصعد أثناء نقل الكرتين بعد أن أصبح هنالك مكان شاغر في المصعد، وبعد نقل آخر كرتون يكون المصعد قد امتلأ، وأجد نفسي مع ذلك الرجل صاحب الكرسالمتحرك، وثلاثة رجال وامرأتان لا مكان لنا، يغلق الباب، ونعود مرة أخرى إلى أماكننا السابقة منتظرين عودة المصعد الذي يتجه إلى الأعلى، ويتوقف عند كل دور، ويعود، في الوقت الذي بدأ المكان يعج بعدد أكبر من الرجال والنساء، يعود المصعد و يغادر من بداخله، و أساعد الرجل على الكرسي المتحرك لندخل معا المصعد، أضع حقيبتي على الأرض ثم أضطر لحملها، لعدم وجود مكان متاح، ونسمع صوت منبه المصعد، الذي يشير لزيادة الحمل، فيغادر رجل التصق وجهه بباب المصعد، أطلب من رجل أن يغمز زر الدور الرابع، ولكن لا مجال لفعل ذلك، أراقب شاشة تحدد الأدوار التي نمر بها، تتوقف عند الدور الخامس، أنا أريد الدور الرابع، يغادر الجميع بم فيها صاحب لكرسي المتحرك وأبقى في المصعد وحيداً، وقبل أن أضغط على الزر الذي يوصلني للدور الرابع، أتذكر أنني نسيت مفتاح مكتبي بالسيارة، فأختار (B2)، يبدأ المصعد بالنزول يمتلئ من الرجال والنساء، يتوقف قليلا عند كل دور، وأخيراً أصل إلى الموقف السفلي، أغادر المصعد بصعوبة، بسبب ذلك العدد الهائل من الرجال والنساء الذين يتسابقون لدخول المصعد، أتجه لسيارتي، أفاجأ أنها ليست قريبة، أنا اخترت ذلك لأمشي، ولكن ذلك البعد جعلني أعود إلى بيتي فموعد مغادرة جميع الموظفين مكاتبهم قد أزف، و مكتبي بقي مغلقاً هذا اليوم.