رأيت الأستاذ محمد جبريل لأول مرة في ندوته الأسبوعية في نقابة الصحفيين. أحسست وأنا أصافحه أنني أعرفه منذ زمن بعيد، وأن الابتسامة التي تزين وجهه جزء من ملامحه. رأيت هالة من الحنان والود تنطلق من وجهه لتبث شذاها فيمن حوله من الشباب. بدأ الندوة وهو يجلس بيننا، ولم ينتقل إلى المنصة. لاحظت أنه يدرب الشباب على أن يحسنوا الاستماع، ويفكروا قبل الجهر بآرائهم، ولا يعلن رأيه. دعاني لأقرأ نصي. سمعت باهتمام التعليقات المختلفة، نظر نحوي نظرة مشجعة، ولفت نظر المبدعين إلى عناصر تقييم النص. واظبت على حضور الندوة كلما تيسر لي السفر إلى القاهرة.
تعددت لقاءاتي بالأستاذ، في القاهرة وطنطا والمحلة والإسكندرية. ثم دعاني لأزوره في بيته، فانفتحت طاقات معرفية جديدة من خلال مناقشاتنا لقضايا الأدب والفن. يسألني عن رأيي فيما قرأت، ويرفع إصبعه أمام وجهي: لا تجامل. فأتحاور معه في مضمون النص وفنون الصياغة.
أتعجب.. كيف استطاع الأستاذ جبريل أن يعيش في القاهرة كل هذه السنوات وهو المولود في حي بحري بالإسكندرية، والمفتون به؟ لا تخلو واحدة من رواياته من وصف شوارع بحري وحواريه ومقاهيه وحوانيته وأهله الطيبين وذكريات طفولته المحفورة في قلبه المحب للعالم.
أتعلم منه دائمًا. أهاتفه، فيسألني: ماذا كتبت اليوم. فأقول له: لم أكتب منذ أسبوع. يلومني قائلاً بحنو: الكتابة للمبدع كأنها عضلة، إذا لم تُستخدم تضمر، فإذا حاولت بعد انقطاع فكأنك تتعلم الكتابة من جديد.
جائزة الدولة التقديرية في الآداب، التي حصل عليها قبل أيام، حصلت هي أيضاً على مصداقيتها، بعد أن أخطأته لسنوات طويلة.
محمد جبريل هو شجرة المحبة التي تظلل المبدعين، وتثمر كل يوم، مزيدًا من الإبداع.
** **
- محمود عرفات