في عام 1995، قالت ديانا، أميرة ويلز، لبي بي سي نيوز: «كان هناك ثلاثة منّا في هذا الزواج، لذا فقد كان مزدحماً قليلا.» في حالة زوجات الأدباء، يبدو الأمر مماثلًا إلى حد ما، حيث يركز الأزواج على أدبهم وكتاباتهم أكثر من زوجاتهم وأسرهم. من هنا، يبدو من الواجب على زوجات الأدباء تقديم مواهب أزواجهن على احتياجاتهن الخاصة، فوجود زوجة متفهمة لحاجة زوجها للكتابة بكل طقوسها المختلفة، مثل الكتابة في أوقات متأخرة من الليل، هو أمر مهم لنجاح الكاتب. ربما يتعين على الزوجة أن تتعايش مع فكرة وجود زوجها بالقرب منها جسديا، بينما عقله وروحه يحلقان في عالم آخر. وقبل كل شيء، عليها أن تؤمن بزوجها ككاتب، فالكاتب، كما هو مشهور، مستعد للتضحية بأي شيء، حتى زوجته، في سبيل الكتابة. والأمر ذاته في حال كانت الزوجة هي الأديبة.
أحياناً تحول مهنة الزوجة ومستقبلها بينها وبين زواجها، فليست كل امرأة مؤهلة لتكون زوجة أديب. على سبيل المثال، زواج الكاتبة الأمريكية إيلينس يمپسون من الشاعر الأمريكي جون بيريمان لم يكتب له النجاح، حيث عانت من خيانات زوجها الذي كان أيضًا مدمناً على الكحول، دائم الحديث عن الانتحار، ولديه ميول مستمرة للتدمير الذاتي. في النهاية اضطرت إلى ترك زوجها، وألّفت بعد ذلك عدة كتب وفازت بجوائز أدبية رفيعة. الروائية البريطانية إليزابيث جين هاوارد، لم تكن تجد الوقت للكتابة أثناء زواجها من الروائي والشاعر البريطاني سير كينچسلي أميس، وكان ذلك وراء قلة إنتاجها الكتابي في تلك الفترة، على الرغم من أنه كان متعاطفاً معها ويشجعها على الكتابة. تركته بسبب إدمانه على الكحول وبغضه لها حسب قولها، وعادت إلى كتابة الروايات والتمتع بمستقبل ناجح. مارثا چيلهورن، الزوجة الثالثة للأديب الأمريكي إيرنست هيمنچواي، كانت روائية وصحفية شهيرة. أحد أسباب التوتر في علاقتهما هو غياب مارثا الطويل أثناء سفرها حول العالم لتغطية الأخبار كمراسل حربي، ما دفع زوجها بالتعبير عن استيائه في رسالة إليها عام 1943: «هل أنت مراسل حربي، أم زوجة في سريري؟». لم يدم زواجهما سوى بضع سنين.
في المقابل، هناك أمثلة على زيجات ناجحة، طرفا الزواج فيها كاتب وكاتبة، مثل الروائية الأمريكية سيري هوستفيد وزوجها الكاتب والمخرج الأمريكي پول أوستر، والروائية البريطانية ليدي مارچريت درابل وزوجها كاتب السير الذاتية البريطاني سير مايكل هولرويد، والمؤلفة والصحفية كلير تومالين وزوجها الروائي والكاتب المسرحي البريطاني مايكل فراين. لم تشكل نجاحات الزوجات المهنية عقبات في حياتهم الزوجية.
زوجة الكاتب يجب أن تتمتع بالحكمة لتهتدي إلى الجواب المناسب والقول الملائم والإجابة الشافية لأسئلة زوجها حول جودة كتاباته. فبعض الأدباء يسعى لمعرفة رأي الزوجة في ما يكتب، وربما لا يعجبه رأيها، ما يتسبب في حساسية العلاقة بينهما. فبالإضافة إلى متطلبات كونها زوجة، يتعين عليها أن تقرأ وتعلق على إنتاج زوجها، قبل وبعد اكتماله.
في الغالب، لا تحظى زوجات الكتاب بالكثير من الاهتمام، فهن يعملن خلف الأضواء، وشكلن عامل نجاح رئيس لأزواجهن الأدباء. لعبت سوزان ديشيفو دومينيل زوجة صامويل بيكيت، روائي ومسرحي وناقد أدبي وشاعر إيرلندي حائز على جائزة نوبل للأدب، دور الأم والزوجة في حياة زوجها. كانت تنظر إلى موهبة زوجها باحترام وإيمان تام بعبقريته، وكان لديها استعداد لبذل كل ما في وسعها في سبيل إيمانها. تحملت حالاته المزاجية، وإفراطه في الشرب، وحاجته إلى الصمت. «أنا مدين لها بكل شيء في حياتي»، هكذا لخص زوجها حياتهما معاً.
آنا سنيتكنا، زوجة فيودور دوستوفيسكي كانت تقدم له الدعم التحريري والأعمال السكرتارية، كما تولت شؤونه المالية، وساعدته على التخلي عن المقامرة. الرسامة البريطانية ميلدريد إلدريدج، زوجة الشاعر والقس البريطانيآر إس توماس، كانت تشارك زوجها حاجته للصمت لفترات طويلة، ودام زواجهما حتى وفاتها. صوفيا، زوجة ليو تولستوي، قامت بنسخ روايته الشهيرة، الحرب والسلام، عدة مرات يدويا. لم تنجب صوفيا أطفال ليو الثلاثة عشر فحسب، بل عملت كسكرتيرة له وقامت بنشر كتبه واعتنت بالمصالح المالية للأسرة. فيرا سلونيم، زوجة الكاتب الروسي الأمريكي فلاديمير نابوكوف، منذ أول لقاء بينهما، اضطلعت بمهمة طباعة أعماله بالآلة الكاتبة، ما مكنها من المساهمة في تحرير أعماله، مقترحة عليه ملاحظات تصويبية وتعديلات مهمة. كان لها الفضل أيضاً في إنقاذ روايته «لوليتا» من الاحتراق عندما أشعلها فلاديمير وألقى بها في سلة المهملات. كما تولت مهمة ترجمة بعض أعماله.
تقول جانيس، زوجة الروائي الأمريكي روبرت ستون، عن دورها في حياة زوجها إنها كانت له بمثابة قارئ، ومحرر، وسكرتير شخصي، ما يعني أن وقتها كله كان مسخرا له. زواجهما الذي دام خمسة وخمسين عاماً يعد واحداً من أنجح الزواجات في التاريخ الأدبي. أيضاً، يقول المؤلف والشاعر البريطاني سير مايكل موربورغو عن زوجته إنها أول من يتحدث معه حول كتاباته حين تكون شبه جاهزة، وأنها تطبع له مخطوطات نصوصه، مضيفة إليها تعليقاتها الخاصة. فاليري زوجة الشاعر الأكثر نفوذاً في عصره، توماس إليوت عملت كمساعد لزوجها، فكتب قصيدة إهداء لها. بعد وفاته، أصبحت المحرر والمعلق على أعماله. أوليفيا لانچدون زوجة الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين كانت بمثابة المحرر لأعمال زوجها، وساعدته في مؤلفاته، وكذلك في عمله الصحفي.
من العالم العربي، هناك السيدة سوزان، زوجة الأديب المصري طه حسين، تعلم منها اللغة الفرنسية، وظلت معه ما يقرب من خمسين عاماً. السيدة عطية الله، زوجة الأديب المصري نجيب محفوظ، استطاعت توفير الجو المناسب له ليكتب ويبدع. وبالمثل، زوجة الأديب والروائي العراقي عبدالخالق الركابي وزوجة أمير الشعراء أحمد شوقي وزوجة الروائي المصري خيري شلبي كن وراء نجاحات أزواجهن على الصعيد الأدبي.
** **
الناقد د. عبدالله الطيب - ناقد وروائي ومترجم سعودي