لم تكن (آنا أخماتوفا) مجرد أديبة روسية متفردة في صناعتها الشعرية، بل كانت أيضًا حواء التي كان وراء جعل آدمها عظيمًا، لكنها قد عانت الويلات جراء هذا الصنيع. فهذه الشاعرة السوفييتية الملهمة التي تزوجت من رفيق طفولتها الشاعر نيكولاي قوميليف، وأسهمت في دفعه قدمًا لمصاف الشعراء الروس المجيدين، قد وجدت لاحقًا بأن موقفها إزاء السلطات السوفييتية إبان العصر القمعي الستاليني قد غدى محرجًا؛ وذلك حين حكمت السلطة الشيوعية على زوجها بالإعدام بعد توجيه تهمة الضلوع له في مؤامرة لقلب نظام الحكم الشيوعي في روسيا.
الأمر الذي فرض عليها حالة من التوقف عن الكتابة الشعرية امتدت لقرابة السبعة عشر عامًا، ماعدا قصائد ورسائل حماسية كان يطلب منها كتابتها لتبث عبر الإذاعة لنساء للينغراد، ونصوص كانت تؤمر بأن تقرأها للجرحى والمصابين في المستشفيات الروسية خلال الحرب الوطنية السوفييتية العظمى.
وعلى امتداد مراحلها العمرية كانت آنا قد دخلت في زيجات غير ناجحة وجملة من العلاقات العاطفية التي باءت بالفشل مع رجال من أدباء عصرها، الأمر الذي انعكس بالسلب على تركيبتها النفسية وعكستها بشكل ملحوظ نصوصها الشعرية. من ذلك زواجها من الشاعر والمستشرق الروسي فيلاديمير شيليجيكو الذي قالت عن حياتها معه بعد انفصالها عنه:
ذلك الزواج، ولد لي شعورًا بأنني قد صرت قذرة جدًا فقد كنت أعتقد بأن زواجي منه سيكون أشبه بالذهاب للدير أو تطهيرًا لروحي، وإذا بي أفاجأ بأني قد فقدت حريتي.
إن تلك الصدمات السيكولوجية التي تولدت في ذات آنا أخماتوفا جراء تلك الحياة الزوجية المضربة التي عاشتها مع زوجها الشاعر فلاديمير شيليجيكو، قد أعاقت تجربتها الشعرية إلى حين من الوقت. إلا أن ازدياد معاناتها الزوجية قد دفعتها لإيجاد منفذ للتعبير عن تلك الصراعات الداخلية التي كانت تعترك في أناها الداخلية، فكانت هناك قصيدتها الشعرية الشهيرة التي حملت اسم «خطاب معلن للموت»، التي قالت في مطلعها:
ياموت.. ياموت.. ياموت
أعي جيدًا
أنك ستعرف طريقك إليَّ ذات يوم،
فبالله عليك! ألاَّ أتيت الآن.
ها أنذا لازلت انتظر قدومك
يكاد صبري أن ينفذ.
إن تجربة آنا أخماتوفا الشعرية قد برزت للعيان بشكل ضمنت معه امتداديتها وترميزها العالمي إلى جانب استعادة قيمتها الفنية، وكل ذلك قد تحقق هي ضمنت الخروج من شرنقة الارتباط مع «آدم» الذي لم تجن من زواجها منه سوى الويلات.
** **
- د. حسن مشهور