بداية الأمر، ومعرفة عشقه للكتاب. كان بأول هدية وصلتني منه أيام الخطوبة، إذ دار حديث عن اهتماماتي وذكرت بأنني أهتم بالموسيقى. فكانت المفاجأة! كتاب كبير عن الموسيقى - وقتها - كنت بأحلام الصبا، وأيام الخطوبة والتفكير بالهدايا الثمينة. لا أنكر ذلك، لكن بعدها أدركت قيمًا كثيرة: منها قيمة الكتاب ومحتواه المفيد المثمر.
بعدها، تزوجنا وكانت المعرفة الكلية لحياته وعشقه للكتاب وصمته المتواصل لساعات، للكتابة والقراءة. وحقيقة مرة أخرى تضجرت! وأصبت بالملل خصوصًا أنها كانت أيام غربة وكنت لوحدي، والزيارات محدودة ولا أنيس ولا جليس.. الخ، تعودت على برنامجه المسائي الذي يبدأ بعد صلاة العصر. حيث يحمل كتبه وأوراقه ويذهب إلى المعهد ويجلس حتى صلاة المغرب ويعاود الكرة قبل صلاة الفجر حتى الذهاب إلى المدرسة، وهكذا يوميًا. بعد فترة قررت أن أشغل نفسي بالشيء نفسه، طلبت: كتبًا، روايات، قصصًا قصيرة.. فكانت الاستجابة بسرعة البرق وتمحورت حياتي بالقليل من الاجتماعيات والكثير من القراءة. حتى بدأ يمازحني بقوله: «اللهم اشغل أعدائي بأنفسهم».
شاءت الظروف بتعيني في المعاهد الدينية بمنطقة «الأبرق/ عمران» معلمة أُدرِّس اللغة الإنجليزية. اشترط عليَّ قراءة كتب التربية.. أولى الإشراقات التي أنارت طريقي. وهكذا كانت الحياة. كنت أقراء له مقالاته قبل إرسالها للنشر في مجلات عدة. وأكتب له ما يمليني من دراسات نقدية لوضوح وجمال خطي. سارت الحياة على وتيرة واحدة من التنظيم وترتيب أيّ فرصة للقراءة حتى عند الزيارات الأسرية بما يسمى «المقيل» كان يحمل كتابًا أو اثنين بجيب الجلابية.
استوقفني موقف طريف جدًا، يعكس حبه لامتلاك الكتب. كنا مقبلين على أيام العيد، واحتياجات البيت فيها كثيرة، وتحصلنا على مبلغ 200 دولار لإكمال الضروريات.. استلم المبلغ وأخذ نصفه لشراء «معجم البابطين» وضعه خلف الستارة، صدمت! وحينما سألت قال: تنازل عن كل أشياء العيد الجديدة «جلابية، جزمة ...» كانت السلسلة منزلة عيده. رجعنا إلى دارنا بعد غربة العشر السنوات. ووقتها توجد تحولات اجتماعية وضغوط اقتصادية وسياسية كثيرة، وبالرغم من ضغوطها إلا أنها فترة إنجاز. يقولون «وراء كل رجل عظيم امرأة» وشخصي يقول ولا أنكر هذا الجميل «وراء كل امرأة ناجحة كاتب عظيم» أجد نفسي بين أسطر كلماته وسندًا لي على طريقته. لقد مررت بسنوات عصبية من المرض. فكان تشجيعه وخروجي من أزمتي بدفعي إلى مواصلة الدراسة وتدريسي وتوفير الكتب والبحوث، ما سهل الطريق الوعر وتجاوزه بنجاحين أكاديمي وخروجي من دائرة المرض. إضافة لذلك، يتمتع بمهارة عالية جدًا في الاستماع تلفت الانتباه، كما يستمع للبرامج الأدبية باهتمام وتركيز بالغ خصوصًا برنامج «روافد» لأحمد علي الزين. أما معارض الكتب السنوية وما أدراك ما المعارض السنوية هاجس بدايات الحياة الزوجية. كنت أحظى بزيارة واحدة وشراء كتاب واحد، وبعض الأدوات المدرسية التي أحتاجها في العمل. أما عن بقية الأيام جميعها له، وعن شراء الكتب بنهاية المعرض يكون المنزل كالمعرض وإنني فخورة بذلك.
... ... ...
زوجة الناقد د. مصطفى الصاوي - السودان
* * *
سيرة الناقد الروائي: د. مصطفى الصاوي
- الناقد د. مصطفى أحمد الصاوي - أم درمان 1955م
- حصل على ماجستير، تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها (معهد الخرطوم الدولي).
- نال درجة الدكتوراه من جامعة السودان 2008م.
- يعمل مشرفًا أكاديميًّا بجامعة السودان المفتوحة، تدريس مادة الأدب السوداني والنقد الأدبي، والإشراف على بحوث التخرج.
- شارك في لجان: تحكيم جائزة الطيب صالح، غادة للإبداع الكتابي..
- شارك في مؤتمرات علمية داخل وخارج البلاد، وفي منتدى الشارقة التاسع للسرد العربي
* من دراساته وإصداراته:
- السير والمذكرات في السودان
- شعر عبدالعزيز الدباغ
- رحالة الشعر العربي، مجلة (جامعة الطائف)