د. عبدالحق عزوزي
أدى تفشي فيروس كورونا إلى تسجيل خسائر ضخمة في قطاع السياحة في كل دول العالم خلال النصف الأول من العام بحسب منظمة السياحة العالمية؛ فقد قدرت قيمة الخسائر بـ460 مليار دولار، وهي أكبر بخمسة أضعاف من تلك التي سجلت خلال الأزمة المالية في سنة 2009 كما ذكرت المنظمة الأممية التي تتخذ من مدريد مقرًا لها في بيان رسمي. وتسبب إغلاق الحدود والحجر الصحي في دول عدة إلى تراجع عدد السياح في العالم بمعدل 65 في المائة في النصف الأول من العام الجاري بسبب إغلاق الحدود وفرض قيود على المسافرين، وتعتقد المنظمة أن العودة إلى مستوى ما قبل الجائحة «على صعيد وصول السياح ستستغرق ما بين عامين وأربعة أعوام».
ولا يخفى على كل متتبع كما قال الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية زوراب بولوليكاشفيلي إن قطاع السياحة يعول عليه ملايين الأفراد لكسب رزقهم. وأوردت المنظمة أن تطور السياحة في آب/أغسطس ينبئ بـ»تراجع للطلب تناهز نسبته سبعين في المائة» مدى العام 2020، في حين أن بعض مناطق العالم مثل أوروبا يشهد منذ هذا الصيف تفشيًا جديدًا لوباء «كوفيد -19» يؤدي إلى فرض قيود جديدة على المسافرين وإلى مزيد من الركود الاقتصادي واللايقين وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل...
فإذا أخذنا على سبيل المثال دولة سياحية وصناعية وتجارية كبرى مثل بريطانيا، فإننا نجد أن البلد سجل انكماشًا «قياسيًا» في اقتصاده بنسبة 20.4 في المائة، ليواجه رسميًا أسوأ ركود له منذ بدأ تسجيل هذه الأرقام الفصلية في العام 1955؛ ويدخل أي بلد في حالة ركود بعد تسجيل انكماش في إجمالي الناتج الداخلي لفصلين متتاليين. وقد أشار مكتب الإحصاء الوطني الذي نشر هذه الأرقام مؤخرًا، إلى أن هذا هو أول ركود تقني تشهده بريطانيا منذ العام 2009. كما أوضح مكتب الإحصاء الوطني الذي نشر هذه الأرقام، أن الجزء الأكبر من هذا الانكماش الذي بدأت آثاره تظهر في آذار/مارس، سجل في نيسان/أبريل عندما أغلقت البلاد بشكل شبه كامل، مما أدى إلى تراجع الإنتاج بنسبة 20 في المائة. وقد تسبب الركود في أضرار اجتماعية جسيمة للغاية، إذ انخفض عدد الأشخاص العاملين بين آذار/مارس وتموز/يوليو بمقدار 730 ألفًا، وفقًا للأرقام الرسمية الصادرة مؤخرًا.
ومع إعلان هذه الأرقام، تكون المملكة المتحدة قد سجلت أسوأ أداء اقتصادي في الربع الثاني في أوروبا، متقدمة على إسبانيا (-18.5 في المئة) وأسوأ بكثير من فرنسا (-13.8 في المئة).
ثم إنه سواء في المجال السياحي أو الاقتصادي بصفة عامة، فإن البلدان ستعرف أوقاتًا عصيبة، وأرقام اليوم تؤكد ذلك... فنجد أن مئات الملايين من الأشخاص قد فقدوا وظائفهم في دول العالم، وسيفقد المزيد من الناس أعمالهم... وتقوم جل الدول بتخفيف صدمة الوباء والتوقيف القسري للأنشطة السياحية والاقتصادية من خلال إجراءات دعم غير مسبوقة ومئات المليارات من الدولارات التي تضخها الحكومات من خلال القروض أو المساعدات للحفاظ على الوظائف، أو عن طريق الأبناك التي تعيد شراء الأصول ومنح سعر الفوائد التي تبلغ أدنى مستوى تاريخي له.....
والمصيبة الكبرى أن هذا الركود ليس بسبب تعطل اقتصاد بلد واحد أو منطقة جغرافية محددة، وإنما بسبب الركود الاقتصادي العالمي الذي لا يفرق بين دولة صناعية أو غير صناعية.. لذا نجد وزير السياسة الاقتصادية والميزانية في الحكومة اليابانية كاورو يوسانو يقول إن الاقتصاد الياباني يجتاز حاليًا «أسوأ أزمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». وقال خلال مؤتمر صحافي «إنها أسوأ أزمة منذ نهاية الحرب. ليس هناك أي شك في هذا الأمر». وأضاف أن «الاقتصاد الياباني الذي تتوقف التنمية فيه بشكل كبير على تصدير السيارات والآلات والمعدات الإلكترونية، قد تأثر كثيرًا بالأزمة». وأكد أن «اليابان ستكون عاجزة عن الخروج من الأزمة لوحدها. لا توجد حدود في الاقتصاد. اقتصادنا سيستأنف نهوضه في الوقت نفسه مع اقتصاد الدول الأخرى».
والمستقبل الاقتصادي يشبه -كما أسر لي بعض رجال الأعمال المحنكين- بباخرة في قلب المحيط تجري بريح طيبة، إلى أن جاءها الموج من كل مكان، وجاءتها رياح عاتية وركابها قد أحيط بهم ولا يدرون أينجون من هذا أم لا، ولله الأمر من قبل ومن بعد...