زكية إبراهيم الحجي
ظاهرة ليست وليدة اليوم.. بل هي موجودة ومؤثرة في نسيج أغلب حضارات وثقافات التاريخ البشري.. هي أشبه بالغذاء اليومي لأكثر المجتمعات الإنسانية قديماً وحديثاً، وتلعب دوراً خطيراً في حياتهم.. ظاهرة تخاطب قلب الإنسان وعواطفه.. فمنهم من يندفع معها دون وعي أو إدراك، ومنهم من يتحلى بالحكمة فلا يُلقي لها بالاً.. إنها ظاهرة انتشار الشائعات التي لا تكاد تشرق شمس يوم جديد إلا ونسمع بشائعة في مكان ما
تُعد ظاهرة الشائعات من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات البشرية.. ففي الوقت الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات المهمة فيما يطلق عليه الإعلام الجديد أوالإعلام البديل بالنظر لما تقوم به من أدوار متعددة الأبعاد.. ومختلفة الاتجاهات تتراوح مابين سياسي واجتماعي.. ثقافي واقتصادي فإنها تظل في ذات الوقت مروجة لأخبار مُختلَقة دون أن تكون مستندة إلى مصادر موثوق بها وتشهد بصحتها.. فكم من شائعة أطلقها مغرض وصدقها متعجل وأدت إلى تباغض أو عداوة.. وكم من شائعة أساءت لشخصيات فاضلة أو شتتت أسراً أو نكبت شعوباً آمنة في أوطانها أو هزمت جيوشاً فخلفت جراحاً عميقة لا تندمل.. إنها إحدى أدوات الحروب النفسية مضامينها قتل رمزي للآخرين.. تُشَن في الحرب والسلم وتلعب فيها الكلمة دوراً يتجاوز حدود المنطق بهدف التأثير في الآخرين دون اللجوء للعنف.
ولعل ما يزيد من خطورة الشائعات في أي مجتمع تلك التي تمس عقيدته وقيمه وهويته وولاءه لوطنه خاصة إذا كانت صادرة من أناس اعتبرهم المجتمع أصحاب علم ومعرفة وأهلاً للثقة فهؤلاء أكثر تأثيراً في النفوس والعقول، وما أكثر ضحايا الشائعات المضللة الذين كانوا فرائس سائغة لمروجيها وتستهدف بصفة أساسية الجيل الناشئ بغية التأثير على توجيه معتقداتهم وسلوكياتهم وتغيير اتجاهاتهم فضلاً عن التحوير الفكري وغسل أدمغتهم وخلق جو من الفوضى والشك واستغلال الظروف للتشكيك في كل أمر من الأمور لذلك لا سبيل لشبابنا في الحفاظ على قيمهم والتمسك بهويتهم والولاء لوطنهم والدفاع عنه إلا بتنمية وعيهم وتحذيرهم من مخاطر الشائعات المضللة وحثهم على إخضاع كل ما يُبث أو يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي إلى قانون العقل والمنطق.. فلم يعد خافياً على أحد بأن الإعلام البديل بوسائله المتعددة هو أحد أهم اساليب الحروب الحديثة.. ويزداد توهجاً وتأثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن اختراقها بطرق مختلفة ومن مناطق جغرافية عديدة.
أخيراً لا بد من الإشارة بأنه مع كل ما تسببه الشائعات من مساوئ قائمة على المبالغة أو التهويل والتشويه وبأسلوب مغاير بغرض التأثير على الرأي العام لأغراض اقتصادية أو سياسية.. اجتماعية أو عسكرية فإنها تظل هواية محببة لمروجيها ويبقى مروجوها بؤرة فاسدة في جسد المجتمع يحق لنا جميعاً التخلص منها.