إيمان حمود الشمري
لوهلة شعرت بأنني سندريلا التي حوّلت حياتها العصا السحرية، وأعطتها الكثير من الوهج على حين غفلة؛ إذ لم أكن مستعدة لكل هذا التغيير الذي سيحدث.
مفعول السحر ابتدأ بعد أول اتصال هاتفي تلقاه زوجي بقرار لمنصب، أحدث نقلة كبيرة بحياتنا، وبدأ بعدها تسلسل كبير في التغيير بالأحداث. وبقدر ما أسعدني هذا التغيير بقدر ما أربكني!!
كنتُ سعيدة في البداية، ولكن الأمور بدأت تأخذ منحى آخر أقلقني. ولأنني شخص صادق، أو ناضج، لم أنجرف نحو هذا التغير المفاجئ.
كان أولها مغادرة منزلي الذي طالما أحببته إلى منزل آخر أكثر اتساعًا، ولكنه لم يحتوني بقدر ما احتواني منزلي القديم الذي أحنُّ إلى كل ما فيه. هذه التفاصيل الدقيقة لم أشعر بها وأنا في بيتي الجديد، وكأنني مدعوة لحفل فاخر، لا أعرف فيه أحدًا؛ فأضطر إلى أن أجلس بمفردي، أجتر ذكرياتي القديمة التي يفتقدها هذا البيت الكبير بمساحاته الشاسعة وجدرانه الباردة.
لماذا أشعر بالوحدة رغم كل هذا الوهج الذي يحيطني؟ حتمًا ليس منزلي فقط الذي تغيَّر، وإنما كل ما يحيطني أصبح مختلفًا. أصبحت مرغوبة أكثر، محبوبة أكثر؛ الجميع يريد أن يتواصل معي، ويرغب بدعوتي، ويستمتع بصحبتي، ويفخر بمجرد إعلان اسمي في مجلس ممتلئ بالنفاق والاستعراض..!
بمجرد تقديمي للحضور بلقب زوجة فلان يختلف التعامل كليًّا؛ فجأة تتسع الابتسامات، ويصبح مَن حولي أكثر لطفًا وودًّا، ويصبح رقم المحمول الخاص بي سهمًا أخضر، يتمنى الكثيرون الحصول عليه.
لم تعد تغريني المناسبات الفاخرة، ولا طاولة البوفيه الممتد بأناقة مفرطة دون أن يحمل أي نكهة. أحنُّ إلى الصحبة القديمة، وإلى صديقاتي اللاتي عرفنني دون منصب ودون زيف. أنا لا أفهم لماذا يتغير البعض على أصدقائه بعد أول لقب، ويعطي أولويات اهتمامه لأناس جدد، عرفوه بعد الكرسي؛ لأنني أصبحت أكثر تمسكًا بصديقات ما قبل التغيير؛ فهن مَن أثق بدفء محبتهن بعيدًا عن صقيع المناصب والألقاب، وطلبات الوظائف والواسطات.. صديقات لن يخفت وهجي معهن بعد قرار إعفاء. أصبحتُ أبحث عن سعادتي بأمور قليلة الكلفة، باهظة المشاعر، حيث المتعة الكبيرة التي لا أجدها في مجالس بها الكثير من الترف والقرف.
لماذا أنا لستُ سعيدة؟ لأنه ببساطة شديدة كل ما حولي من مبالغة واهتمام مربك يذكّرني بأن (هذا الوقت سيمضي).