د. عبدالرحمن الشلاش
باستثناء بعض الحالات الشاذة والمحدودة فإن أكثر ما يميز الأسرة السعودية تماسكها والذي غدا مثالاً يستحق الاستنساخ والإفادة منه في دول تفتقد لهذه الميزة الفريدة. ظلت الأسرة السعودية سنوات طويلة وعلى مر العقود الماضية بعيدة عن حالات التشرذم أو التشتت ونادراً ما يتم تداول أخبار من مثل خروج أفراد منها عن نطاق العائلة الكبير أو على مستوى الأسرة الصغيرة المحدودة والمكونة من الأب والأم والأبناء. لم نعرف أن أحد أفراد الأسرة قد اختار الخروج عن السياق والإطار العام وظلت ملتقيات الأسر أو ما يُسمى في بعض المناطق «الجمعة» أو «اللَّمة» سمة مشتركة سواء في بيت الجد أو الجدة أو الأب والأم أو كبير العائلة من الإخوة أو الأخوات.
عادةً يتم التجمّع في المنازل أو المزارع أو الاستراحات أو في المخيمات البرية في فصل الشتاء، حيث تقضي الأسر أياماً وليالي بحضور الجميع وقد لا يعذر أحد مهما كانت ظروفه يحكمهم في ذلك قوانين العائلة الجميلة وطاعة كبار العائلة تأتي في المقدمة ونفوذ ولي الأمر يكاد يكون في مقام السلطة المستمدة من الدين الإسلامي ودعم هذه الولاية من قِبل الحكومة السعودية في كافة قوانينها أمور سهلت كثيراً السبيل لتماسك العائلة في صف واحد، حيث يفتخر الجميع بكبارهم ويفتخرون بطاعتهم, وبمناسبة الحديث عن الطاعة فالطاعة مبدأ أصيل في الثقافة اليابانية وهي الدولة المتقدمة، حيث ترى أن انطلاق الطاعة من الأسرة يعزِّز من تماسك الشعب الياباني ووحدته ووقوفه صفاً واحداً خلف قيادته المتمثلة في الإمبراطور. اليابان أدركت مبكراً أن تماسك الأسرة يؤدي إلى تماسك الدولة. شيوع القيم الاجتماعية في المملكة العربية السعودية من تواد وتراحم ومحبة وإيثار وحرص على لقاء الأهل وغيرها أدى إلى تقوية الروابط إضافة إلى صلة الرحم التي يحث عليها الدين وبر الوالدين تجعل من يفكر في كسر هذه الروابط يتردد كثيراً قبل أن يحجم عن مثل هذا العمل. عزَّز هذا الترابط والتماسك حكومة أدركت نتائج تماسك الأسرة على النسيج الاجتماعي وتعزيز الانتماء والولاء لهذا الوطن الكبير فطبّقت إجراءات تهدف إلى حماية الأسرة من التشرذم والذوبان وضياع الهوية فربطت كل قرارات الأفراد بقرار رب الأسرة فبقيت الأسرة آمنة تتمتع بقدر كبير من الترابط, وبقائها متماسكة مترابطة مرهون بالحرص على مسببات هذا التماسك الذي كان ولا يزال مثلاً يُحتذى به.