د. محمد بن يحيى الفال
أيام فقط وتعد على أصابع اليدين تفصلنا عن تاريخ الثالث من شهر نوفمبر، موعد الاقتراع الكبير في أمريكا لمعرفة من سيتبوأ على مقعد المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الأمريكي ولمدة أربع سنوات مقبلة وستكون فعلاً حاسمة في حراك الاقتصاد الأمريكي نحو التعافي من التداعيات الخطيرة وغير المسبوقة الناتجة عن جائحة كورونا الكونية التي ألقت بظلالها على كل بلاد العالم وبلا استثناء. الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ستكون مميزة في كل شيء، بدءًا من حجم التغطيات الإعلامية لها سواء من داخل أو من خارج الولايات المتحدة، مروراً بالأموال التي ستنفق عليها من قبل المرشحين والتي قاربت أو تجاوزت مبلغ النصف مليار دولار لكل مرشح مع كم هائل من التلاسن والاتهامات المتبادلة بين المرشحين وانتهاء بعدد من سيصوت فيها والذين تقارب أعدادهم 245 مليون ناخب من مجموع عدد سكان أمريكا، والبالغ 329 مليون نسمة، والذين بلغ متوسط تصويتهم في الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأربعة الأخيرة ما نسبته 52 في المائة ممن يحق لهم التصويت، مع توقع بأن نسبة التصويت في هذه الانتخابات ستكون تاريخية وغير مسبوقة، والذين صوتت أعداد كبيرة منهم في التصويت المبكر، والذين تجاوز عددهم حتى الآن أكثر من 20 مليون ناخب، ويمكن اعتبارهم بأنهم الأصوات التي حزمت أمرها وصوتت لمرشحها بغض النظر عن برنامجه الانتخابي أو ما سوف تنتج عنه المناظرات بين المرشحين، فهؤلاء مقتنعون بشخصية المرشح الذي صوتوا له ولن تتغير آراؤهم عنه مهما حاول الطرف الآخر.
تاريخياً، هناك ولايات معروفة بتصويتها للحزب الديمقراطي وهي كل من ولايتي كاليفورنيا وولاية نيويورك ومجموعهما 84 صوتاً من عدد أصوات المجمع الانتخابي الأمريكي المكون من 538 صوتاً يمثلون نفس عدد ممثلي نواب الشعب الأمريكي في مجلس النواب، ويحتاج المرشح الفائز بالانتخابات لـ270 صوتاً، وبالنسبة للولايات ذات الهوى الجمهوري فتأتي على رأسها ولاية تكساس ذات 38 صوتاً في المجمع الانتخابي وتليها لحد ما ولاية أوهايو ذات الـ20 صوتاً في المجمع الانتخابي، وكذلك فغالباً ما تصوت الولايات في الوسط والجنوب الأمريكي للحزب الجمهوري مما يشكل حاضنة في غاية الأهمية للحزب وبكون أصواتها مجتمعة في المجمع الانتخابي لها مقدرة كبيرة في تشكيل الفائز في الانتخابات، ومع قول ذلك فإنه وكما هو معروف فإن الولايات المتأرجحة «Swing States» والتي سميت بذلك كونها تصوت أحياناً للحزب الديمقراطي وأحياناً أخرى للحزب الجمهوري، ويعد تصويتها محورياً وأساسياً في تسمية الفائز بكرسي الرئاسة الأمريكية، ولهذه الولايات مجتمعة 101 صوت في المجمع الانتخابي وتتكون حسب تأثيرها وعدد أصواتها من كل من ولايات فلوريدا، بنسلفانيا، ميتشجان، كارولاينا الشمالية، أريزونا وويسكنسن.
في سابقة تاريخية ستسجل في التاريخ الأمريكي الحديث لن يكون فيها الفصل للولايات المتأرجحة لتحديد هوية الفائز بالانتخابات الرئاسية، بل سيكون الفيصل فيها للأصوات المتأرجحة وهي غالبية أصوات المقترعين الذين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية سوف يضعون الاقتصاد وتعافيه من جائحة كورونا على سقف اهتماماتهم وهم يملأون استمارات الترشيح ووضعها في صناديق الاقتراع.
الواقع يقول إن هناك الكثير من الأمريكيين يخشون ترامب ولكن يخافون بايدن والعكس كذلك صحيح، عليه فالمرشح القادر على تسريع تعافي الاقتصاد هو من سيكون خيارهم للرئاسة، وذلك بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى سواء كانت شخصية أو حزبية أو خلاف ذلك. الاقتصاد ونموه والضرائب هما معياران محوريان لأي انتخابات رئاسية أمريكية، ومع ما خلفت جائحة كورونا من تداعيات غاية في الخطورة على غالبية الأمريكيين فالاقتصاد والاقتصاد فقط سيكون هو الموجه لكل ناخب في قراره ولمن سوف يصوت. وعليه فالصورة الماثلة عن المرشحين عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد المحرك الأول والثاني والثالث للانتخابات القادمة فإننا نرى أن الرئيس ترامب تصدق فيه المقولة العربية الشهيرة «رب ضارة نافعة»، فجائحة كورونا والتي انتقد بشدة الرئيس ترامب بسببها وبكيفية التعامل معها وهو من صرح بلسانه للصحفي المخضرم بوب وودورد بأنه لن يصعدها خوفاً من تأثر الاقتصاد وكانت النتيجة أن تأثر الاقتصاد الأمريكي بشدة وإن كان أظهر في الآونة الأخيرة بوادر للتعافي، ففي عقل الناخب الأمريكي ووعيه وكذلك في لا وعيه فإن الرئيس ترامب ورغم الانتقاد الحاد له بالتعامل مع الجائحة التي أصابته هو شخصياً وتعافى منها بسرعة فائقة، هو أيضاً من لديه المقدرة على الإسراع في تعافي الاقتصاد الأمريكي والمؤثر كذلك في سرعة تعافي الاقتصاد العالمي، وذلك بكون الرئيس رجل أعمال له المقدرة الكبيرة على التعاطي مع الشأن الاقتصادي وقدرته كذلك على التسويق لأفكاره من خلال خطابته الشعبوية المليئة بالمرح والتفاؤل والتي يجد فيها الناخب الأمريكي بلسم فرح في عالم مضطرب، وربما وجد محبو الرئيس والآخرون ممن هم لم يقرروا بعد لمن يصوتون، وجدوا العذر للرئيس بأن تقصيره في مواجهة جائحة كورونا كان بسبب إصرار الديمقراطيين على عزله على تبعات قضية مساعدات أوكرانيا التي ربطها الرئيس حسب زعم الديمقراطيين بالبدء بالتحقيق حول مزاعم فساد هانتر ابن المرشح الديمقراطي جو بادين وعلاقة الابن بشركة الغاز الأوكرانية. جو بايدن المرشح الديمقراطي هو في المقابل سياسي حتى النخاع ممثلاً لولايته ديلاوير منذ عام 1973 في مجلس الشيوخ ونائباً للرئيس أوباما منذ عام 2009 فعليه فهو من دهاليز واشنطن العاصمة الفيدرالية التي يجعلها كل من يترشح لمنصب الرئاسة الأمريكية هدفاً رئيسياً في انتقاداته، وهو الأمر الذي لن يحدث قطعاً مع جو بايدن كنه مُنتجاً لكل ما دار في كواليسها من سياسات ولعقود.
الاستطلاعات تشير بتقدم بايدن على ترامب ومع قرب يوم الانتخاب يبدو أن الفجوة تضيق بينهما، ولعل أكثر من يسئ لوضع الرئيس ترامب الانتخابي هو ترامب نفسه، من تصريحاته عن كورونا لبوب وودورد إلى تصريحه بأن لوناً أحمر سوف يكتسح الخريطة الانتخابية للولايات المتحدة في إشارة للحزب الجمهوري الذي يمثله، ناسياً أن اللون الأحمر هو أيضاً اللون المفضل لليساريين والاشتراكيين حول العالم، والذي يتهم الرئيس ترامب منافسه الديمقراطي بايدن وحزبه لانتمائهم لهذا اليسار.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 بالنسبة لاختيار الكثير من الناخبين فيما بين المرشحين يصدق فيهم شعر أبو الطيب المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بدُ