د. سلطان سعد القحطاني
عندما تخرجت في قسم اللغة العربية في جامعة (الرياض) وكان ذلك مسماها الثاني، قبل أن يعيدها الملك خالد رحمه الله إلى مسماها الأول الذي عرفت به كأول جامعة في الحزيرة العربية على الإطلاق، عام 1377، قبل دخولي المدرسة بثلاثة أعوام. في ذلك الزمن الجميل كان من ضمن ما عرض علي ومن مثلي وظيفة مذيع في الإذاعة، وقليل من خريجي هذه الجامعة من يعرض عليه مذيع في هذه الإذاعة، أو التليفزيون، فالأغلبية لخريجي كلية اللغة العربية، ولم تكن جامعة في ذلك الزمن، ولم أرغب في الانضمام للإذاعة أو أي وزارة أخرى غير وزارة المعارف (مدرس) فقط، لأنها هوايتي. وبالرغم من ذلك كنت شغوفاً بمتابعة البرامج والاستماع للإذاعات، لدرجة حفظ أصوات المذيعين وأسمائهم من خلال الصوت، ثم انضمامي فيما بعد لطاقمها بعد تخرجي النهائي بالدكتوراه متعاوناً ثم مقدم برامج أدبية. وكانت تجذبني بعض الأصوات وسلامة لغتها ورقي ثقافة صاحبها، مثل حسن الكرمي من لندن، وتعليقات صوت العرب، ومطلق الذيابي وحسين نجار، وعبدالله الزيد، حتى فقدت صوته في وقت من الأوقات حتى عاد مرة ثانية للإذاعة، ومن هنا بدأت جولة الصداقة والمعرفة عن قرب، فلم أجد مذيعاً عادياً ولا شاعراً ولا مثقفاً ولا شخصيةً عادية، بل وجدت كل تلك الصفات الحميدة مجتمعة في تلك الشخصية، الشاعر الحساس، المثقف، وفوق هذا وذاك الإنسان، بكل معني للإنسانية، فلم أصغ لمتحدث قط كانصاتي للزيد، وهو بالمناسبة قليل الكلام، بعد انضمامي إلى الإذاعة (عشقي الأول) توطدت علاقاتي بالزملاء الأفاضل، إبراهيم الصقعوب، أبو أحمد، وكان مديراً للإذاعة قبل أن يصبح وكيلاً مساعداً لشؤون الإذاعة، وسعد الجريس، أبو عمر، بعد عودته من استوديو الدمام، وصالح المرزوق، وكان مديراً للبرامج، وبعض المخرجين الذين عملوا معي، والذي عمل معي في برنامج (رواد الثقافة) حمد الرشيدان، وكان في البداية منفذاً، ثم مخرجاً، وكثير ممن عملوا معي كمخرجين لبرامج أخرى، مثل برامج رمضان، ومناسبات معرض الكتاب، وغيرها. لم تنقطع صلتي بعبد الله الزيد، حتى بعد تقاعده من الإذاعة، فكنا نجتمع في منزله في الملز إذا كانت عنده مناسبة أو في مكان آخر، حتى حلت بالعالم كورونا، وبعض العوارض الصحية التي ألمت به، ولم تنقطع الاتصالات، وكان آخرها قبل عشرة أيام، وكان يبشرني أنه بخير، لكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.
كان عبدالله الزيد مذيعاً لبعض الفترات، وعادةً بعد الموجز يقدم المذيع مادة إذاعية، وعادةً ما تكون أغنية، وكنت معه انتظر فراغه من الموجز، وبعد الموجز قدم أغنية لمحمد عبده، ولم يكن يرغب فيه كطلال مداح، فقال: أما الآن فأترككم في سكة التايهين، وظن بعضنا أنه أخطأ، لكنه قال: أعني ما أقول. وكنت استضفته في أحد البرامج وعندما انتهى تسجيل الحلقة سألته إذا أراد أن يسلم على الزملاء فأعتذر وقال: لولاك ما دخلت هذه الإذاعة، فعلمت أنه قد حمل في نفسه شيئاً على الإذاعة ومن فيها، فهو وكثير غيره لم يقدرهم الإعلام، وقدر من لم يستحق التقدير والحديث عن عبد الله الزيد يطول ولن ينتهي، فهو بحر ليس له سواحل - رحمه الله.