عبدالعزيز السماري
أخذت فلسفة القوة مساراً غير ذلك الذي عبر عنه الفيلسوف الألماني نيشته، فقد فهمها النازيون أنها القوة المدمرة والتفوق العنصري الجيني، بينما كان القصد هو تفوق الإنسان في ذاته، وخروجه من ذهنية الجبول والضعف أثناء تحدياته في حياته.
تظهر الصورة بوضوح في احتفالات كربلاء وفي حالة الخنوع التام للأتباع أمام السيد الظاهر في صورة السيد الأعلى، كذلك ظهرت في زمن الصحوة عندما تحول الناس إلى أفراد متشابهين، ويفكرون من خلال العقل الماضي، وبالتالي تحولوا إلى أدوات في سلسلة غير منتهية من الحلقات والسلطات المتعاقبة.
كما ظهرت في أبشع مراحلها في فترات حكم العسكر سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا، حيث الطوابير التي لا تنتهي من الرجال، والذين فنوا في حروب عبثية بلا ثمن، فقد كانت الحرب هوى عند الزعيم، فهو يشعل الواحدة تلو الأخرى، بينما يموت الشباب وقوفاً إرضاء لرغبة الزعيم.
فكرة الإنسان الأفضل أو الأقوى ليست القوة بمفهومها القديم، وهي إجبار الطرف الآخر على الرضوخ، سواء كان ذلك على مستوى الدول، أو على مستوى الحكام والمحكومين في إطار الدولة الواحدة، ولكن هي الخروج من مرحلة الضعف إلى قوة الإرادة، ويدخل في ذلك إرادة المجتمعات التي تجاوزت اقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنسان المنتج.
فكرة الإنسان الأعلى أن يتحرر من السلطات التقليدية التي تتقاذفه من كل جانب، وبالتالي يكون الخاسر الأكبر في حياته القصيرة، ومن أجل أن يتفوق، عليه أن يحرر عقله من خلال البحث والاستمرار في المحاولات، وإثبات القدرة على النجاح مهما كانت الصعاب، فالإنسان المتفوق هو ذلك العصامي الذي يتجاوز الصعوبات ويصل إلى هدفه بدون مساعدة أو سند من طرف آخر، وهو ذلك الواعي بأن الحياة رحلة خاصة لذاته، وعليه اختراق الصفوف قدر الإمكان للوصول إلى مبتغاه في هذه الحياة.
في هذا العصر يظل التعليم المنهجي واللا منهجي هو الطريق الأمثل للخروج من عقدة التفوق، والشعوب المتعلمة والمتمكنة قادرة على الوصول إلى تحرير الخيارات وتحقيق فرص النجاح، بينما يؤدي الجهل إلى إما الخنوع والاستسلام للسلطات التقليدية، أو الفوضى والتمرد والغضب ضدها، وتلك تمثل إعادة إنتاج الماضي وتكراره في حلقات لا تنتهي.
المفهوم النيتشوي يقسم البشر إلى أقوياء وضعفاء، فالأقوياء هم السادة الذين يبتكرون القيم الأخلاقية لتبرير أفعالهم المباشرة، فهم يتسمون بغريزة السيطرة وحب الغزو والمخاطرة ونعيمهم هو الانتصار والسيادة، أما الضعفاء فقيمهم وسيلة لتغطية عجزهم ونكوصهم عن فرض إرادتهم.
لهذه الأسباب دوماً ما ينجح الغالبون في فرض ثقافتهم وأخلاقهم، ولا يبقى للمغلوب على أمره إلا أن يكون خانعاً لسلطة الأقوى الغالب أخلاقياً وعسكرياً ومالياً، وربما من خلال ذلك نستطيع أن نفهم واقعنا العربي، وأن أزمتنا هي الهزيمة النفسية والأخلاقية والعلمية أمام الإنسان الغربي المتفوق، والنتيجة هيمنة على جميع المستويات.