د.كوثر خلف حامد
غلب على الكثير ممن ينتمون للجيل الحديث أو حتى الماضي فخرهم واعتزازهم بالمسلسلات التركية المدبلجة عن الرومانسية والحب والهيام بل وسحرتهم حكاياتها وأصبحوا يضربون بالأتراك المثل في اللباقة والتعامل، هؤلاء ربما لا يعرفون أو يتناسون التاريخ الذي أبرز حقيقة الأتراك وكيف عاملوا الأمم ومنهم العرب لعصور طويلة بأصناف من الظلم والقهر والاستبداد، هذا الظلم الذي لا يزال يدرس في مناهج بعض الدول العربية كون أنه السبب الرئيسي لتراجع الحضارة العربية الإسلامية وتدهورها بعد أن كانت منارة العلم والاختراعات الأولى في العالم ولذا فإن الحقيقة والتي لا يختلف عليها اثنان أن مصدر أخلاق الأمم الحقيقي هو التاريخ لا المسلسلات المدبلجة.
أثناء ترحالي قبل عشر سنوات اطلعت بالصدفة على كتاب التاريخ في إحدى الدول العربية للمرحلة المتوسطة ووجدت فيه وحدة دراسية تبين أنواع جرائم الأتراك ضد العرب والتي تراوحت ما بين نهب ثروات وانتهاك محرمات تحت دعوى الخلافة والحرمان من التعليم أو استخدام اللغة العربية فضلاً عن تجنيد الشباب العربي وإرساله وقود للحروب العالمية الأولى في شتى أصقاع المعمورة وحملات التهجير القصرية الجماعية وأشهرها «سفر برلك» وحملات التجويع والتعذيب والإعدام بالتوسيط والخازوق.
وليس سراً أن السلاطين الأتراك حاولوا متعمدين لعقود طويلة مسح الهوية العربية ونشر الظلم والفساد سعياً إلى إضعاف شوكة العرب وتقديمهم فيما بعد لقمة سائغة للدول الاستعمارية من خلال ما يسمى معاهدات الامتيازات الأجنبية التي من أهمها معاهدة 1535 والتي وقعها السلطان سليمان القانوني مع فرانسوا الأول ملك فرنسا وبموجبها منحت فرنسا حق التدخل في شؤون الدول العربية ولا يزال عدد من الدول العربية يعاني من هذه المعاهدة إلى يومنا هذا.
ومن خلال كتاب بعنوان: «التاريخ الإسلامي في العهد التركي» أوضح مؤلفه محمد شاكر عدداً من عادات الأتراك الموثقة تاريخياً والتي تثبت مساوئهم على أمة الإسلام، فالعثمانيون حاربوا اللغة العربية على الرغم من أنها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف مما أدى إلى غياب اللغة العربية الفصيحة عن الساحة غياباً مستمراً إلى العصر الحالي، فضلاً عن افتقار الأتراك بالوعي الصحيح بالإسلام، فكثير من المسؤولين الأتراك لم يكونوا يفقهون من الإسلام إلا العبادات التي كانوا يقومون بأدائها في المناسبات وعرف عنهم أيضاً حرصهم الزائد على عمل الاحتفالات للذكر والانصراف لها مما أدى إلى انتشار الصوفية والتواكل، الأتراك لم يكونوا يوماً شركاء أشراف حتى لأبناء جلدتهم وإخوانهم فقد وثق تاريخياً عن سلاطين الأتراك عادة قتل الأخوان خشية النزاع على الملك وهي عادة معروفة عند الحكام الأتراك لا يمكنهم إنكارها لوجود أمثلة من تاريخهم.
لم يجلب الحكم العثماني للعرب إلا كل تخلف، حيث لم يعرف مواطنو الدول العربية أي خدمات حضارية في الصحة أو التعليم، لقد عاش العرب خلال حكم الأتراك في غياهب الجهل والظلم والفقر، كما قام الأتراك بقتل الآلاف من العرب ومثلوا بجثث قادتهم وفرضوا عليهم الضرائب غير المبررة مثل ضريبة الميري والحلوان والكشوفية، حتى التراث والفن العربي الأصيل من مخططات ونحت ورسم وزخارف لم يسلم من غدر الأتراك، حيث نقل عن السلاطين العثمانيين أنهم كانوا يجمعون كل الحرفيين والصناع المهرة ويرسلوهم إلى استانة ليعمروها ويزخرفوا قصورها.
باختصار لقد سرق الأتراك من العرب سنوات من الحياة والنور وأعادوهم إلى أزمان من التخلف طيلة أربعة قرون حكموا العرب فيها، في حين يدعي الأتراك أنهم أساس الحضارة إلا أن التاريخ يشهد أن العرب هم أساسها وما الأتراك إلا عبارة عن قبائل رعوية تقيم في مناطق وسط آسيا وتوافدت على الاناضول واستقرت هناك. لم يعرف المواطن العربي من الحكام الأتراك إلا الظلم والعنصرية حيث قسموا العرب إلى طبقات ينعم القليل منها بالامتيازات بينما رزحت الطبقة العظمى والتي تشكل العامة تحت وطأة الذل والمهانة والتجويع، ففي لبنان وحدها توفي 250 ألف لبناني في حرب استباقية تخللها حصار شنه الأتراك على لبنان عام 1921 ميلادية.
إحدى أعظم الأكاذيب التي ينشرها الأتراك في كتبهم ومناهجهم أنهم فتحوا الدول العربية إلا أن هذه الأكاذيب لا يمكن تبريرها فما حدث هو في حقيقته يسمى غزواً وليس فتحاً لأن العرب مسلمون والفتوحات لا تكون إلا للدول الكافرة. إن ما يثير اشمئزازنا في العهد الحديث هو أن أحد أحفاد أصحاب الطرابيش يحاول تجديد عهد الظلم العثماني عبر الجماعات المتطرفة وتنظيم دولي للإخوان المسلمين ليعود بالعرب إلى تلك الحقبة الاستبدادية من التخلف، والغريب وجود مؤيدين من العرب أنفسهم الذين تناسوا أو يتناسون كيف تم ظلم أجدادهم وتدمير كرامتهم واحتقارهم من قبل الأتراك، هؤلاء يستحقون أن نطلق عليهم لقب «أذناب الطرابيش» فهم أعداء لأنفسهم وخونة لأوطانهم وهم الأبناء الضالون والعاقون لأجدادهم وحضارتهم العريقة مقابل مصالح شخصية من أصحاب الطرابيش رضوا أن يستخذوا كمرتزقة مندسين وجواسيس خائنين لأوطانهم وأمتهم.
** **
- أكاديمية وكاتبة في القضايا الأمنية