عبدالوهاب الفايز
توجهنا الجاد للتخصيص يحتاج للتوجه الجاد الموازي للعمل على التنمية الاجتماعية والإنسانية حتى نوجد (مظلات وشبكات الأمان الاجتماعي). هذا أحد الأدوات الضرورية لاستيعاب المخاطر المترتبة على برامج التخصيص، بالذات البطالة وارتفاع تكلفة الخدمات، والأمر المطمئن أن المسؤولين في الحكومة لديهم الوعي بأهمية تقوية أداء القطاع العام في الشأن الإنساني والاجتماعي لضمان استقرار مقومات التنمية المستدامة.
تقوية كفاءة أداء القطاع العام لاستيعاب مخاطر التخصيص يحققه التوجه الحكومي لإسناد الخدمات في الرعاية الاجتماعية والإنسانية والتعليمية والصحية إلى مؤسسات وجمعيات القطاع الثالث، كأحد الخيارات الداعمة أو البديلة للتخصيص. هذا المسار هو الأفضل للحكومة، حيث يعطيها الفرصة للتركيز على الأمور الأصعب في التنمية والأمن والدفاع، وأيضًا هو ضروري حتى يحمي مقومات الاستقرار الاجتماعي، وكذلك هو توجه عملي ذكي لـ(دعم القطاع الخيري) ليستعيد دوره الحيوي، حيث كان قبل طفرة التنمية يقدِّم الخدمات الضرورية للناس، في التعليم والصحة والنقل وإنتاج الكهرباء والماء.
القطاع الثالث، كما ذكرت في مقالات سابقة، يتعزَّز دوره الآن بعد بروز حالات التفاوت الكبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق واسعة من العالم، والتي نشأت من الصراع على الموارد والأسواق، وفي اقتصادنا وواقعنا المحلي ما زالت مؤشرات التنمية الاقتصادية متوازنة، و(رؤية المملكة 2030) صُممت برامجها التنفيذية لكي تعزِّز وتحافظ على مقومات الاستقرار لمكونات الدولة الحديثة.
المجمتع الحيوي الذي نتطلع إليه سيكون في حالة تنمية مستمرة للبنية الأساسية في المجالات الاجتماعية والإنسانية في العشر السنوات المقبلة، وكما أشرت سابقًا فالتحديات للأجهزة الحكومية تتطلب وزارة للتنمية الإدارية. أيضاً تحديات التنمية توجد حاجتنا الملحة لوزارة متخصصة ومتفرِّغة لـ(التنمية الاجتماعية). إذا كانت التصورات والآراء لدمج وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية في وزارة واحدة بنيت على معطيات محددة، كما هو الحال مع إلغاء اللجنة العليا للإصلاح الإداري، هذه الاعتبارات تعودنا أن يتم مراجعتها إذا كانت المصلحة العليا للناس وللبلد هي الحاكمة.
طموحنا وتطلعنا إلى بناء قطاع ثالث حيوي وقادر على المساهمة في تقديم الخدمات الأساسية يتطلب جهاز متخصص ومتفرِّغ لقيادة الجهد الحكومي لكي نحقق مستهدفات مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي (وهو 5 بالمئة)، بل نتطلع إلى أكثر من هذه النسبة.
نحتاج الجهاز الحكومي القائد الذي يأخذنا بقوة إلى (المجتمع الثالث التنموي)، فالبيعة التي قدمناها لولي الأمر حسمت الانشغال بالأنشطة التي تعمل عليها جمعيات ومؤسسات (المجتمع المدني)، فالأهم لنا ولمستقبل بلادنا هو بناء مكونات وآليات ومؤسسات (المجتمع الخيري التنموي) لكي نطور ونحسِّن ظروف حياتنا، ونوسِّع مساهمة المواطنين في تقديم الخدمات والإشراف عليها وإدارتها، وحتى نسوق ونوعّي وندرب القطاع الثالث على فهم التحول من (الرعوية إلى التنمية). ربما لم يستوعبوا ماذا نقصد؟!
بناء القطاع الثالث هو (استثمار) لتجديد حيوية القطاع العام، وهذا الهدف الإستراتيجي غايته الكبرى تجديد وتكريس إيمان الناس بأهمية الدولة كراعية ومنفذة للعقد الاجتماعي. واجب الدولة إشراك المواطنين، عبر القطاع الثالث، في إنتاج الخدمات التي يحتاجونها بالذات في الشأن الإنساني والاجتماعي. هذا يُحيي فيهم روح المواطنة ويطور سلوكهم الإيجابي تجاه الخدمات الحكومية فيتحولون من (مستهلكين سلبيين) إلى (مستهلكين متفاعلين وإيجابيين)، والأهم تجعلهم يعرفون ويقدِّرون حجم الجهد والموارد التي تُبذل لتسهيل معاشهم.
نحتاج وزارة التنمية الاجتماعية لكي تكون وزارة ممكنة تهتم بالتشريع والجودة، وتخرج من التشغيل عبر تأسيس (نماذج عمل جديدة) توجد التعاون والتشارك بين القطاعين الخاص والثالث، وتعمل على تجاوز التحديات والمعوقات لبناء الشراكة بين القطاعات الثلاثة، وتستثمر التجارب الدولية الناجحة في بناء رأس المال الاجتماعي، وتستفيد من تجربة الكفاءات القيادية والإدارية الوطنية القادرة، بحول الله، على بناء (نموذج سعودي) جديد لإدارة التنمية الاجتماعية وإشراك الناس فيها.