علي الخزيم
الابتسامة من أوضح وأسرع وسائل الاتصال الراقية بين البشر، فهي لغة مفهومة لا يلزمها ترجمان، فإذا اشرقَت طبيعية دون تكلف تُعبِّر عن ذات المبتسم وجماليات روحه، ولم أسمع أو اقرأ عن كائنات حية غير البشر تمتلك هذه الخاصية من التعبير والتواصل بينها بالابتسامة! غير أني أمِيل إلى أن الجَانّ وهم عقلاء يملكون هذه الوسيلة بينهم، وزعموا أن للابتسامة يوماً عالمياً حددوه بأول يوم أحد من أكتوبر كل عام، ويعود تاريخ قصة نشر الابتسامة بالعالم إلى عام 1963 عندما خاطب ممثلو شركة تأمين أمريكية فناناً تجارياً طالبين منه ابتكار رمز مشرق يَسْهُل تذكّره على بطاقة الشركة، فابتكر لهم الوجه الأصفر المبتسم؛ وتجاوز هذا الرمز كل توقعاتهم بالنجاح، وأخذ بالظهور على القمصان والقبعات والمغلفات وغيرها، وبعد وفاة مبتكره الفنان (هارفي بال) 2001 أنشئت مؤسسة باسمه وتم تبني اقتراح بتحديد يوم عالمي للابتسامة، وهنا يظهر أن تحديد جُلّ الأيام العالمية لمناسبات احتفائية بموضوع ما؛ تجده من صنع دول أجنبية وغالباً غربية، وهنا بالدول العربية الإسلامية لا نُحدد مثلاً يوماً للاحتفاء بالأم أو المعلم، فالأم حثَّنا على برها ورعايتها ديننا الحنيف بلا حدود، وكذلك المعلم، والابتسامة عند المسلمين كالصدقة ونستمد من السنة النبوية ما يَحثّ على البشاشة وطلاقة الوجه: (تبسُّمك بوجه أخيك لك صدقة، لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق)!
وما يؤكد أن الابتسامة لا ترتبط بيوم واحد، إنها سلوك يهبه الله للإنسان؛ وهي فن قد لا يجيده كل من أراده وإن كان على خلق، فقد تجد متجهماً وهو من أنبل الناس وأرحمهم وأودهم، وقد تجد من يوزع الابتسامات بكل اتجاه غير أنه كثعلب محترف للمكر والمراوغة، وما زلت عند رأيي بأن لدينا هنا من الظرفاء لا سيما الشباب ممن يجيدون نكتة الموقف، ويملكون روح الدعابة والفكاهة الراقية، وفي المنافسات الشبابية كالمواجهات الكروية على سبيل المثال تجد بمجالس الشباب من يُتحفون أسرهم وأصدقاءهم بنوادر تعليقاتهم اللطيفة بما يُعد إبداعاً كوميدياً يستحق الالتفات إليه وتبنيه لتطويره، وتشهد بذلك المقاطع المصورة والصوتية بما لا يخدش الذوق العام ولا يتعدى الخطوط الحمراء للآداب العامة والأعراف الاجتماعية.
والتَّبسط بالأمور ومجانبة الغضب بقدر المستطاع هو من ركائز الصحة النفسية وجزء من دعائم الصحة العامة، وهذه مهارات وقدرات يلزم المرء التدرب والتعود عليها، لتقوية النفس والقلب، وقالوا: إنما القوي من يبتسم، فلا تَدَع الزعل وتَوفّز الأعصاب يسيطران على مشاعرك دوماً؛ فهي تشغلك عن أمور أهم بحياتك وأسرتك، كما تَخْرم المروءة وتُضيع الهيبة وتستهلك الطاقة والنشاط، وإن كانت الابتسامة من أكثر تعابير الوجه التي تكشف عن مشاعر الإنسان، فثمَّة فرق بين البسمة الحقيقية المضيئة والبسمة المُفتعلة المفضوحة، فالابتسام يعني التواصل الودود ومن شأنه تخفيف التوتر الداخلي وجلب الاسترخاء وإشاعة جو من الثقة والحبور، ومع ذلك يجب التذكّر بأن نوعاً من الابتسامات يكون مُرهقاً لصاحبه إذا ارتبط بمعايير المهنة والسلوك الوظيفي.