محمد آل الشيخ
الانفجار المروِّع الذي هزَّ مرفأ بيروت لم يعد أحد يتحدث عنه، رغم أنه حصد أكثر من مائتي ضحية، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمعاقين، وشرَّد مئات الآلاف من بيوتهم، إضافة إلى الأضرار التي شملت تقريباً ثلث مدينة بيروت.
والسؤال الذي يفرضه السياق: لماذا سكت المجتمع الدولي عن هذه الجريمة، ولم نرَ لا تظاهرات ولا أي شكل من أشكال الاعتراض على هذا الانفجار المروِّع؟
الجميع يعرف أن ميليشيا حزب الله الإرهابية ومن ورائهم إيران هم من خزنوا هذه المواد المتفجرة في المرفأ، لإمداد عملياته الإرهابية بمحتويات هذا المخزن، وليس لدي أدنى شك أن ثمة (صفقة) تم إبرامها في الخفاء، أدت إلى هذا الصمت أو قل المطالبات الخجولة بالتحقيق، سواء من فرنسا ماكرون، أو الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعل هذا الانفجار يمر وكأنه انفجار سيارة ملغومة في إحدى ضواحي بيروت.
أريدكم فقط أن تقارنوا بين هذا الانفجار المروِّع والإرهابي وبين ردة فعل مقتل المرحوم جمال خاشقجي والجعجعة التي رافقت تلك الجريمة؟.. هل ثمة مقارنة بين ردة الفعل العالمية والإقليمية لهذا الانفجار بتلك الجريمة التي ذهب ضحيتها إنسان واحد، وهذا الانفجار الذي ذهب ضحيته الآلاف بين قتيل وجريح ناهيك عن الخسائر المادية التي تقدر بالمليارات؟
إذن ردة الفعل هنا وهناك ذات أبعاد محض سياسية، وتستثمرها جهات تبحث عن مصالحها، وهنا لابد من الإشارة إلى أن إيران المحاصرة ما زال لديها القدرة والوسيلة لتساعد نفسها وأذرعتها لتنجو من أية عقوبات، فالفرنسيون الذين حاولوا منذ اليوم الأول التدخل والتصدي للتعامل مع هذا التفجير، لديهم صفقات يسيل لها اللعاب مع الإيرانيين بمجرد أن يتم رفع الحصار عنها، سواء فاز في الانتخابات الأمريكية بايدن أو ترامب، وفرنسا عملت بدهاء على (تعويم) مسؤولية حزب الله وبالتالي إيران، لتقبض الثمن فيما بعد صفقات تجارية معها بعد رفع الحصار، على رأسها شراء تسعين طائرة إير باص جديدة، لتعزيز أسطول إيران الجوي المدني المهترئ، إضافة إلى تحديث مصانع عربات رينوه التي سبق للفرنسيين بناؤها في إيران, أما سكوت الأمريكيين، وعدم تصعيدهم، فيعود إلى قبول الثنائي الشيعي، بما فيه حزب الله، بترسيم الحدود البحرية والبرية بين إسرائيل ولبنان، والذي تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ قبل أيام، وهو اعتراف ضمني بإسرائيل، وكان حزب الله تحديداً يرفض شيئاً من هذا القبيل في الماضي، غير أن الانفجار وتوجيه الأصابع إلى الحزب كمسؤول عنه، اضطره إلى الرضوخ للأمريكيين راغما، ليتملص من مسؤوليته عن هذا الانفجار.
ولكن هل يعني ذلك أن حزب الله خرج من تلك الجريمة سالماً؟.. الأمريكيون ما زالوا يعارضون اشتراك حزب الله في أي حكومة جديدة يجري تشكيلها في لبنان، ورفض الأمريكيين هنا يعني أن إمكانية حصول لبنان على قروض مالية من صندوق النقد الدولي أمر مستحيل؛ أي أن لبنان لن يخرج من ضائقته المالية.
الإيرانيون الذين يحكمون لبنان من خلال حزب الله سيقفون حجر عثرة في طريق تشكيل أي حكومة، حتى تنتهي الانتخابات الأمريكية، التي يُعولون فيها على خسارة ترامب، وفوز بايدن، ويتم تجديد الاتفاقية النووية التي انسحب منها ترامب. وفي تقديري أن فوز بايدن لن يعيد الاتفاقية تلك بين يوم وليلة، فالمستجدات في الساحة خلقت وضعاً جديدا في المنطقة سينعكس على هذه الاتفاقية، بالشكل الذي يجعل تجديدها يحتاج الى وقت قد يتطلب أشهرا وربما أكثر، في حين أن لبنان ليس في مقدوره أن يصبر.
إيران ستتفاقم مشاكلها ما لم (تضحِ) بحزب الله للفوز بتوقيع اتفاقية جديد، ورفع الحصار عن دولة الملالي المنهكة، ولاسيما أن أسلحة حزب الله تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل.
إلى اللقاء