عبده الأسمري
يعيش الكثير من البشر في دوامة وتردد وتأرجح بين سلوكي إقدام وإحجام وتباين بين اتخاذ القرار في مواجهة مع الأزمات أو اعتماد الفرار في منازلة مع المصاعب ليبقى الإنسان في صراع مهول قد يتجه به إلى قطبية التسرع أو التهاون مما يجعله أسيراً لندم النفس أو تأنيب الضمير..
بدأت قبل أشهر بكتابة «منهج» عن الدبلوماسية السلوكية ضمن خطة عميقة لخروجه إلى «حيز» التنفيذ رغبة مني في وضع أسس جديدة وأصول متجددة تدعم العلاج النفسي وتآزر المنهاج السلوكي في سبيل صناعة الأمن للنفس والأمان للذات في جملة من التعليمات المنهجية والتمارين السلوكية، ركزت من خلالها إلى تعزيز المناعة النفسية وصولاً إلى عيش آمن وتعايش مستقر.
يعرف الجميع الدبلوماسية من خلال مفهومها العام والشامل المبني على فن التفاوض والتحاور بين البلدان وفق منظومة السياسة، وقد اتخذت المفهوم لاستخدامه في دراسة الإنسان لسلوكه ووضع منهجية خاصة لرصد ردات الفعل وإطلاق الاستجابات الصادرة من غرفة عمليات النفس وإخضاعها إلى تفاوض مدروس يفضي إلى وفاض مكتمل يرسم مشاهد «السواء» في أبهى الصور وأزهي الحلل.
تكتمل الدبلوماسية السلوكية في شروط متعددة، أهمها أن يفهم الإنسان السلوك الصادر من الآخرين نحوه، وأن يحلله وأن يتشكل لديه الذكاء النفسي والذي يتواءم مع الفهم لإنتاج حصيلة «الحكمة» مع أهمية إدارة النفس في ضبط السلوك والاتزان في دراسة ردة الفعل مع التركيز على الهدوء في اتخاذ سلوك مضاد وإتباع قواعد الاعراض والتجاهل نحو السلوكيات السلبية.
تصنع الدبلوماسية السلوكية أسوارًا من الحماية والأمان على حياة الإنسان وتوفر له اتجاهات الوقاية من المؤثرات وتصنع بينه وبين الخلاف مع الآخرين برزخاً يمنع السقوط في قبو الخلافات أو القنوط من حل المشكلات بل وتسهم في أبعاد المتضادين في السلوك أو المختلفين في المسلك من الاصطدام والتلاقي في دوائر «سوء» تنتج الأمراض النفسية وتخلف العقد الشخصية وترمي الأطراف في متاهات المهاترات وترهات المشادات مما يشوه وجه الحياة ويبدد واجهة الرقي.
تسهم الدبلوماسية السلوكية بوضع الفرد في حيز الاستعداد والتفكير الإيجابي وفي مستوى واعٍ وراقٍ من الوعي الذاتي مما يؤدي إلى صناعة الشخصية القوية التي ستمتلك حتماً مناعة نفسية ضد أي مؤثر ماضي أو حاضر أو مستقبلي وبالتالي مجابهة الأمراض النفسية والانتصار على العوائق والعراقيل..
يجب أن تتجه الدبلوماسية السلوكية بالنفس إلى حيث الخير ونحو الإحسان لرسم عطايا «التسامح» وهدايا «الصلاح» وبشائر «الفلاح» من حيث التعامل المثالي مع المواقف والتكامل الأمثل مع التجارب حتى يتحول الإنسان من خلالها من متلقٍ للصدمة إلى صانع للنصح ومنتج للصفاء مع نفسه والغير، فالحياة مرة واحدة ولا تتكرر، والرحيل مصير محتوم لكل مخلوق ولا يبقى وراءه في متن «الذكر الحسن» إلا المقدم الثمين الذي دفعه في حياته ليجني أرباحه بعد الموت.
وعلى النقيض، ففي خضم اللهاث وراء مصالح الدنيا يبرع بعض الموبوئين بالجشع والمبتلين بالطمع في استخدام دبلوماسيته في تحقيق مصالحه من خلال سلوك سلبي ومسلك خاطئ، ولكن العاقبة الأكيدة في ذلك «مؤلمة» وستأتي في ثمن باهظ يدفعه في فشله من التعامل مع سلوكيات مضادة يسقط حينها في بؤر «الحسرة» وقعر «الخسارة».
أصعب شيء أن يقع الإنسان «ضحية» التهور والتعجل والتسرع وسوء الظن دون «قياس» الأمور على حقيقتها و»التماس» الأعذار وفق واقعها، فتأتي النتيجة غير متكافئة بين استقباله للسلوك وإرساله للاستجابة ليدخل في نفق مظلم «بائس» مصيره المرض النفسي ونهايته الضياع الذاتي.
في شتى أبعاد الحياة تأتي الظروف كأقدار حتمية وتحل الأزمات كوقائع ضرورية لا تستثنيان أحداً وتحل في محيط الخلق كمؤثر وتظل في أفق الحياة كتأثير، حينها تفرض الدبلوماسية السلوكية المتجهة إلى «السواء» ونحو «النماء» وجودها لتكون البلسم الشافي والمبسم الكافي الذي يزهق ويلات الآلام ويوقف سوءات الأحزان.
تسهم الدبلوماسية السلوكية في صناعة المناعة النفسية اللازمة التي تحمي الإنسان من المؤثرات والتأثيرات وصولاً إلى الأمان النفسي والأمن السلوكي والسكينة الذاتية والطمأنينة الشخصية الأمر الذي يرفع مستويات الأخلاق في التعاملات ويصعد بمراكز الوفاق في السلوكيات.