خالد محمد القديري
تابعت بشغف اللقاء الذي عرضته قناة العربية مع سمو الأمير بندر بن سلطان السفير والدبلوماسي والأمين العام السابق لمجلس الأمن السعودي. ولعل أكثر ما شدني في اللقاء هو أسلوب وسلاسة الطرح وابتعاد سمو الأمير عن التكلف والحديث بأسلوب سهل ولغة مبسطة وهو الأمر المعروف عن سمو الأمير بشكل عام، ولكنها هذه المرة كانت لإيصال الفكرة للعامة ومخاطبة جيل الشباب والبنات في المملكة والخليج من باب توضيح الحقائق - كما صرح سمو الأمير بذلك مراراً. وبندر بن سلطان لمن لا يعرفه كان سفير المملكة في واشنطن من عام 1983 حتى 2015 وهي فترة مليئة بالأحداث العاصفة.
ابتداءً من حرب الخليج الأولى والثانية ومروراً بأحداث 11 سبتمبر وغيرها من الصراعات والأزمات التي مر بها الشرق الأوسط وانعكاساتها على العلاقات السعودية الأمريكية. ولعل ما جعل سمو الأمير يخصص الحلقات الثلاث بكاملها عن الجهود السعودية فيما يخص قضية فلسطين هو لما لهذه القضية من أهمية دينية وسياسية للعالم العربي والإسلامي واستقرار الشرق الأوسط بشكل عام وقبل أن نستكمل حديثنا أود أن أنوه لأمر بالغ الأهمية يخصنا نحن كمنظومة إعلامية سعودية حيث يوجد فراغ إن صح التعبير وتقصير في ايصال الحقائق وإبراز الجهود السعودية في أعمال الخير والأعمال الإنسانية.
وهو هنا مكمن الخلل لدى أجهزة الإعلام لدينا وخصوصاً الموجهة إلى الخارج حيث لا نكاد نسمع أو نعرف شيئاً عن التفاصيل التي ذكرها سمو الأمير وهي تفاصيل مهمة من باب حفظ التاريخ وإيصاله للأجيال الجديدة في دول الخليج فجاء لقاء الأمير من باب سد التقصير الحاصل من إعلامنا. السبب الآخر في نظري الذي دفع بندر بن سلطان إلى الحديث عن قضية فلسطين هو الهجوم الأخير في تصريحات القادة الفلسطينيين على دول الخليج وتحديداً على تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل وهو ما رد عليه سمو الأمير بالرفض وليس فقط عدم القبول على حد تعبيره. من الطريف والواقعي على حد سواء أن قضية فلسطين قضية عادلة لكنّ محاميها فاشلون وإسرائيل قضية ظالمة لكن محاميها ناجحون وهذا ما يثبته التاريخ ووضحه سمو الأمير من خلال حوادث متكررة أعادت نفسها مرة تلو الأخرى في أزمنة مختلفة.
ومما يثبت ذلك أن القيادة الفلسطينية كانت منقسمة على نفسها من خلال الصراع بين حركتي فتح وحماس الأمر الذي يؤكد أن الخلل في البيت الفلسطيني يكمن من الداخل ولذا لا بد أن يكون الحل من الداخل. وقد تطرق سمو الأمير إلى هذا الموضوع وجهود الملك عبدالله وقبله جهود الملك فهد رحمهما الله في إصلاح الداخل الفلسطيني وهو ما تم فعلاً بمعاهدة رسمية - لا تخلو طبعاً من الدعم المالي السعودي السخي- لكن سرعان ما يدب الخلاف ويتم نقض الاتفاق بينهم فور مغادرتهم للمملكة.
وقد صرح سمو الأمير بكلمة مهمة جداً في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية وهو أن القائمين عليها لا يبدون جادين- وإن أظهروا ذلك- في الحل بل لعلهم يستفيدون من إطالة الأزمة والدعم المالي الذي يحصلون عليه وهو ما يعد فعلاً متاجرة بالقضية وابتزاز للدول الأخرى للتعاطف والدعم لمصالحهم الشخصية حيث لا يصل للشعب أو للقضية أي مردود.
من أكثر ما يثير الدهشة في معرض حديث الأمير هو عدد الفرص الضائعة من الطرف الفلسطيني المتعنت في خلق سلام حقيقي من خلال حل الدولتين الذي كان مطروحاً على الطاولة بعد جهود حثيثة قامت بها المملكة في أزمنة مختلفة وقد قامت المملكة من أجل هذه الحلول بالمخاطرة بعلاقاتها مع الدول العظمى لتحقيق هذا الهدف ويجدر بالذكر أن للرئيس حسني مبارك رحمه الله أيضاً جهوداً حثيثة في نفس الصدد سعياً لاعتراف دولي بدولة فلسطين وعضوية دائمة في الأمم المتحدة ولكن كان لها نفس المصير البائس مع الأسف.
اليوم لم تعد هذه الخيارات متاحة على الطاولة فمهارة اقتناص الفرصة والتفاوض الناجح لم يحسنها الطرف الفلسطيني. وعند النظر تاريخياً للقوى التي راهن عليها الطرف الفلسطيني نجدها دائما أطرافاً فاشلة مما زاد الطين بلة وأدى لتراجع قوة القضية بشكل كبير كما حدث عندما أيدت فلسطين ألمانيا النازية وأيضا تأييدهم بعد ذلك لصدام حسين بعد احتلاله الكويت وكلها أطراف بائسة انتهت إلى هامش التاريخ وقد أخطأ التقدير كل من راهن عليهم واليوم نرى أن امتداد هذه السياسة في المراهنة على قوى إقليمية كإيران وتركيا اللتين لم ولن تقدما شيئاً فعلياً للقضية غير المتاجرة بها ورفع شعارات فارغة لحشد شعبية لهم في العالم العربي والإسلامي والأيام كفيلة بإثبات هذا الادعاء. يذكر أن مجموع ما قدمته إيران وتركيا مجتمعتان من الدعم لا يشكل 10 في المائة مما قدمته المملكة لفلسطين.
إن الأصوات التي بدأت تعلو مؤخراً بشأن بيع القضية وصفقة القرن التي عادة ما ترمى بها المملكة زوراً هي سبب آخر في نظري لظهور الأمير السفير في هذه المقابلة التي أجاب بها على كثير من التساؤلات وأخرس الأصوات النشاز الناعقة على المملكة وأفحم تجار القضية.