أ.د.عثمان بن صالح العامر
كان الحديث في السابق منصبا في الأساس على التربية الإيمانية بغرس العقيدة الإسلامية السلفية الصحيحة، والتربية التعبدية التي تربط الأولاد بالصلاة، واستشعار رقابة الله حين الصيام، وقل كذلك في بقية أركان الإسلام والثالثة التربية القيمية - الأخلاقية في علاقات الذرية مع الكل: الكبير والصغير، الغني والفقير، القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، الجار والضيف وعابر السبيل، وهكذا في جميع دوائر العلاقات الاجتماعية المختلفة. واليوم نتيجة لعوامل عديدة دخل متغير تربوي رابع هو أيضاً بحاجة لالتفاتة صادقة من قبل الأسرة السعودية ألا وهو الجانب الصحي (الجسدي) للأبناء والبنات على حد سواء، ولا يعني ذلك التقليل من الأهمية العظمى لما سبق من جوانب تربوية أساس، خاصة العقدي منها، كما لا يعني أن التربية قصر على هذه الجوانب فهناك التربية التقنية، والتربية الذوقية الجمالية، والتربية الاقتصادية، والسياسية، والفكرية العلمية، ولكن سر هذا التخصيص هنا أننا في ظل تغير السلوك الغذائي لدى الجيل الجديد صار صغارنا عرضة لكثير من الأمراض الناتجة عن قلة الرياضة وإدمان أكل الوجبات السريعة والمشروبات الغازية خاصة بعد وجود تسهيلات الإيصال للبيوت، وحفلات نهاية الأسبوع التي تحتضنها مطاعم ذات نكهات متنوعة ومذاقات عالمية مختلفة. ومتى استمر الحال على ما هو عليه اليوم فسيكون نظامنا الصحي في خطر لكثرة ما سينتج من أمراض -لا سمح الله- جراء إهمالنا الواضح لمستقبل صحة أولادنا اليوم تحت مبررات وفلسفات وقناعات ليست صحيحة بل ضارة جملة وتفصيلا، وربما عدم إدراك منا لخطورة بعض السلوكيات الغذائية، وعدم الاكتراث بأهمية ممارسة الرياضة اليومية.
ما دفعني لكتابة هذا المقال ما ذكره لي طبيب مهتم بالشأن العام من أن هناك صغارا يأتونه وقد أظهرت تحاليلهم المخبرية ارتفاع الكلسترول لديهم، أو إصابتهم بالسكري الذي لم يكن في أسلافهم، والسمنة المفرطة، وغير ذلك مما يسمى بأمراض العصر. هذا وهم صغار فماذا سيكون حالهم حين الكبر، ولذا كان لزاماً من الوعي المجتمعي بخطورة الأمر.
في السابق كان اللعب جزءا أساسياً من جدولنا اليومي، وكانت كرة القدم في ملاعب الحواري والمدرسة مثيرة ومحفزة لاكتساب أجسامنا جرعة تنشيطية عالية، خلاف حال الألعاب الإلكترونية اليوم التي هي سلوة صغارنا ومتعة قضاء أوقاتهم مما نتج عن ذلك بوادر مخبرية منذرة بشرر، توجب على الأسرة المتابعة الحقيقية، وإجراء التحاليل الدائمة، والتدخل الوقائي المبكر، قبل أن يكون العلاج لاسمح الله، كما أن على وزارة التعليم التفكير الجاد بعودة الوحدات الصحية لسابق عهدها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إعطاء مادة التربية الرياضية أهمية كبيرة لا تقل عمّا تعطيه الوزارة للمواد العلمية، والأمانات والبلديات وجمعيات النفع العام (مراكز الأحياء) عليها الاهتمام بالملاعب داخل الأحياء السكنية وتحفيز أهل الحي لممارسة الرياضة، أصلح الله لنا ولكم النية والذرية، ووقانا جميعا الأمراض والأسقام، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.